ولكنني أقول: إن العمل ليس هو عمل الجوراح فحسب، بل العمل ثلاثة أنواع: عمل القلب: وهو أولها وأوله الإيمان كما ذكرت، والنية الصالحة، والتوجه إلى الله.
وثانيها: عمل اللسان، وهو أن ينطق الإنسان بلسانه بالشهادتين أولاً وهو المعبر لدخول الجنة، ثم أعمال اللسان من الذكر والدعاء والتسبيح وغيره.
وثالثها: هو عمل بقية الجوارح من صلاة وصيام وزكاة وحج وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر وغير ذلك، وإذا فقد أحد هذه الأشياء الثلاثة، لم ينفع الباقي، إن فقد أمر منها بالكلية فالباقي لا قيمة له، فإن فُقِد عمل القلب تماماً فالباقي لا قيمة له، وإن فقد عمل اللسان فالباقي لا قيمة له، وإن فقد عمل الجوراح، فالباقي لا قيمة له، فلو أن إنساناً قال لنا- حين نأمره بالصلاة أو غيرها من أعمال الخير- التقوى هاهنا، كما يقول بعض المضللين والجهال: التقوى هاهنا، لا أحتاج أن أعمل صالحاً؛ لأن قلبي نظيف.
نقول له: إن كنت مسلماً فاعلم أن الإسلام ثلاثة أشياء: عمل القلب واللسان والجوارح، التقوى هاهنا، هاهنا أصل التقوى، ولكن التقوى تظهر على الجوارح، ومن المستحيل أن توجد ذرة من تقوى أو إيمان في القلب ولا يظهر لها أثر على جوارح الإنسان، فلا بد من الثلاثة.
وقد صح أن رجلين من اليهود أتيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهما حَبْران من أحبارهما، فقالا: يا محمد -ونقول صلى الله عليه وسلم- إننا نريد أن نسألك عن مسائل لا يعلمها في الدنيا إلا نبي أو رجل أو رجلان، فقال صلى الله عليه وسلم: أينفعكم إن أخبرتكم؟ أصل الأصل الذي نتحدث عنه ليس المهم أن يعلم الإنسان فقط، بل لا بد أن يعتقد وينطق ويعمل، أينفعكم إن أخبرتكم؟ فقالا له: نسمع بآذاننا -أشاروا إلى أنهم لن ينتفعوا بذلك، ولكنهم سيسمعون، فسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه المسائل- منها: ما أول طعام أهل الجنة؟ فقال لهم صلى الله عليه وسلم: زيادة كبد الحوت، ثم سألوه سؤالاً آخراً: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال لهم صلى الله عليه وسلم: على الصراط، ثم سألوه: ما الذي يجعل الولد ذكراً أو أنثى؟ وفي بعض الروايات ما الذي يجعل الشبه ينزع إلى أخواله أو إلى أعمامه، أو إلى أبيه أو إلى أمه؟ فأجابهم صلى الله عليه وسلم بأنه إن غلب ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكراً، أو كان شبهه إلى أبيه، وإن غلب ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى أو جاء شبهه بأمه، فقالا له: -واسمعوا هذا الشاهد من الحديث- صدقت وإنا نشهد إنك لنبي، وقاما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلا يديه ورجليه، وقالا: صدقت وإنك لنبي، فهؤلاء مؤمنون بالله أنه واحد، وأضافوا إلى ذلك الاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يتبعوه صلى الله عليه وسلم في أعمال الجوارح.