خاتمة الإنسان تحدد مصيره

أما الرواية الثانية وكلاهما كما ذكرت أولاً في صحيح مسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة} فدعونا نتأمل قليلاً في معنى هذه الكلمة التي تحمل أيضاً أكثر من معنى؛ لأنها قيلت بمناسبة هذا الرجل، فيحتمل أن يكون معنى الكلمة: أن العبد قد يعمل طيلة عمره بالطاعات فيختم له والعياذ بالله بخاتمة السوء، فيموت على الكفر والشرك، فيكون من أهل النار، ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: {إن أحدكم يجمع في بطن أمه} إلخ الحديث حتى قال صلى الله عليه وسلم: {فوالذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها} فهذا رجلٌ عمل خيراً فختم له والعياذ بالله بخاتمة السوء، ثم قال: {وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها} وهذا رجلٌ أسرف على نفسه في المعاصي، ثم تاب قبل أن تغرغر روحه وقبل أن يعاين الملائكة فقبل الله توبته، وغفر له وأدخله الجنة، ولذلك كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا جلس مع أصحابه قال: خبروني عن رجل يدخل الجنة ما سجد لله سجدة؟ فيتحدثون فيما بينهم فيقول لهم: رجل من اليهود لما كان في معركة أحد قال: أين الناس؟ أين الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أين المسلمون؟ قالوا: خرجوا للقتال، فترك ما كان في يديه، فخرج إلى أحد فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله أُسلم أو أقاتل؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أسلم ثم قاتل، فأسلم وقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم قاتل فقتل في المعركة فدخل الجنة ولم يسجد لله سجدة، وهذا مصداق ما ذكرت لكم في النقطة الأولى، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: أسلم ثم قاتل، فالقتال قبل الإسلام لا ينفع، ولذلك بوب البخاري على هذا الحديث بقوله: (باب عمل صالح قبل القتال) واستشهد بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] .

الاحتمال الأول: أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة، أن المقصود أن العبد قد يعمل الخير فيسبق عليه ما كتب عليه في القدر، فيتحول إلى المعاصي والعياذ بالله فيختم له بالسوء، وكان السلف يخافون من سوء الخاتمة.

والرجل الذي يعمل الموبقات والخطايا، ثم يفتح الله عليه قبل أن يموت فيعمل الصالحات فيدخل بها الجنة، ويكون المعنى: أن هذا الرجل عمل صالحاً ثم ختم له بأن انتحر والعياذ بالله كما هو واضح في سياق القصة.

الاحتمال الثاني في معنى هذا الحديث: أن يكون الرجل يعمل في الظاهر بالطاعات، وهو في الحقيقة على النقيض من ذلك، أو يعمل في الظاهر بالمعاصي وحقيقته على الضد من ذلك، وأمر الطاعات واضح ومعروف للجميع، أن يكون الرجل كما ذكرنا منافقاً أو مرائياً، يتظاهر بالأعمال الصالحة من أجل الناس، فهذا يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو في الحقيقة من أهل النار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015