تعهده صلى الله عليه وسلم للحسن

الواقعة الثالثة: ما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، وهو في صحيح البخاري: {يقول: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار -في جزء من النهار- لا يكلمني ولا أكلمه -لأنه مشغول ولا أريد أن أشق عليه، ولهيبته في قلوبهم صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم- حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم سوق بني قينقاع وكان قريباً من هذا السوق بيت فاطمة رضي الله عنها (بيت علي بن أبي طالب) رضي الله عنه، فجلس النبي بفناء بيت فاطمة -بالساحة المجاورة لمنزله- وكان يقول لها: أَثَمّ لكع؟ أّثَمّ لكع؟} يعني - الحسن موجود- هل هو موجود؟ ولكع -كلمة عربية أحياناً تطلق بمعنى اللئيم- إذا كان هناك إنسان لئيم فتقول: إنسان لكع، كما قال صلى الله عليه وسلم: {يكون في آخر الزمان أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع} .

وقد يطلق على الطفل، وقد يطلق لكع على الإنسان الذي لا يصرف أموره، ولا يعرف أموره، ولا يتصرف فيها.

فالمهم قال الرسول لابنته فاطمة: {أَثَمّ لكع؟ أَثَمّ لكع؟ - (يعني هل الطفل موجود) - هاتيه؟ قال أبو هريرة رضي الله عنه: فحبسته شيئاً -أخرت المجيئ بولدها الحسن رضي الله عنه، فظننتها تلبسه سخاباً أو تغسله} يقول: توقعت أنها تلبسه سخاباً، والسخاب كما قال بعض الشراح: هو قلادة من طيب كانت تلبس للصبيان ذكورهم وإناثهم-، وقيل: هي من الخرز.

فالمهم أنها قلادة توضع للصبي لتجميله وتطييب رائحته، أو تغسله وتنظفه وتجمله حتى يكون مناسباً أن يذهب إلى جده، ونعم الجد جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، {ثم دفعته إلى رسول الله أرسلته فجاء يشتد يسرع -جاء يركض- إلى جده عليه الصلاة والسلام فعانقه الرسول وقبله وقال: اللهم أحببه وأحب من يحبه} .

وفي بعض الروايات {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بيده هكذا} - يعني فتح النبي ذراعيه للحسن {فقال الحسن بذراعيه هكذا} فقد اعتاد هؤلاء الصبيان أنَّ النبي يلاطفهم ويفتح لهم صدره فيجلسون في حجره، فيضمهم، ويقبلهم، ويحنو عليهم، فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم ذراعيه للـ حسن جاء الحسن مسرعاً حتى ألقى بنفسه في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وعانقه وجعل ذراعيه على عنقه الطاهر وقبله، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم وعانقه وقال {اللهم أحببه وأحب من يحبه} .

هكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأخذ من وقته للصبيان، يذهب إليهم ويتعهدهم ويقبلهم ويضعهم في حجره ويدعو لهم، ويدعوهم، فما أن يروا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتذكروا العطف والحنو، فإذا مد ذراعيه مد الصبي ذراعيه، وإذا رأى الصبي رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً أسرع إليه -ركض إليه، وألقى بنفسه في حجره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015