عدم المدح أو الذم بغير الألفاظ الشرعية

الأمر الثاني: أن لا يكون المدح والذم بغير الألفاظ الشرعية، من ألوان الانتسابات القديمة أو الجديدة، فمثلاً كوني أقول: فلان عربي أو عجمي، أوفلان شافعي أو مالكي، أوفلان من قبيلة كذا أو من بلد كذا، أو من جماعة كذا، هذه لا يكون فيها مدح ولا ذم، فهي لا تدل على المدح أوالذم بذاتها، وإنما الانتساب إليها حتى ولو أشعرت بالمدح، فالانتساب إليها قد ينحرف، ونحن نجد أن أشرف الأسماء والألقاب هو الإسلام: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} [الحج:78] ومع ذلك فالمنتسبون إلى الإسلام يوجد بينهم من ألوان الانحراف وغير ذلك، والكتاب والسنة تكفلا ببيان حقيقة الإسلام، فكل من انتسب إليه وهو غير صادق، كشفته النصوص، لكن غير ذلك من الأسماء لا تكشفه النصوص، فينبغي إذن ألا يكون في هذه الألفاظ تمادحاً أو تذاماً بذاتها، فالأسماء الشرعية تكفل النص بنفي اللبس عنها، أما هذه الأسماء المحدثة فليس هناك ما يكفل إخراجها من أن تكون ذماً في صورة المدح أو مدحاً في صورة الذم.

الأمر الآخر: أن المدح والذم يجب أن يكون بالألفاظ الشرعية، فمثلاً: إذا أردت أن تمدح إنساناً فتمدحه بما فيه من الإيمان، أو البر، والتقوى، والصدق، والإحسان، والصبر، والشكر، والخوف، والرجاء، واليقين، والمحبة في الله، والطاعة لله ورسوله، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والوفاء بالعهد والعقد، وغير ذلك من الألفاظ الشرعية التي مدح الله بها ورسوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4] {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249] {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] إلى غير ذلك من النصوص، وكذلك الذم يكون بما ذم الله تعالى به ورسوله، كالكفر، والفسوق، والعصيان، والنفاق، والكذب، والإثم، والبغي والعدوان، والظلم، والهلع، والشرك، والبخل، والجبن، وقسوة القلب، والغدر، وقطيعة الرحم، إلى غير ذلك مما ذم الله تعالى به ورسوله فالله تعالى يقول: {لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32] وقال: {لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:57] وقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] وقال: {فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] وقال: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] إلى غير ذلك من النصوص، فيكون الذم أيضاً مما ذم الله تعالى به ورسوله، ومن شؤم تبديل الألفاظ الشرعية: أن ينسى الناس هذه الألفاظ، ويصبح التمادح والتذام بينهم بألفاظ محدثة ليست واردة في الكتاب ولا في السنة، وقد يتغير معناها من وقت لآخر، وقد يدخلها ما يدخلها مما يكون شراً، إن كان اللفظ لفظ مدح، أو يكون فيه بعض الخير إن كان اللفظ لفظ ذم، فهذا هو الميزان الذي يجب أن يعاد الناس إليه، وهو أقرب إلى إصابة الحق، ورد المخطئ إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015