أولها: الحذر من التعصب للنفس، وانتقاص ما عند الآخرين، فقد رأيت وسمعت أقواماً يزدرون العاملين مثلاً في مجال مقاومة المنكر، ويرون أن الأولى بهم أن يتجهوا إلى إصلاح القلوب، والإقبال عليها، ويقولون: إذا صلح القلب؛ صلحت الجوارح، ورأيت آخرين يزدرون المشتغلين بالعلوم الإسلامية، من قرآن، وحديث، وفقه وغير ذلك، ويرون أن الزمن تعداهم إلى غير رجعة، وأنهم ينبغي أن يشتغلوا في أمور أخرى، ورأيت فئة ثالثة تستهجن من يشتغل بالجهاد، ومقارعة أعداء الله، ودفعهم عن حياض المسلمين، ولا شك أن لكل فئة من الناس عيوبها، فلست أبرئ أي فئة من هؤلاء أو من غيرهم من العيوب، لكن لا ينبغي تنقص العمل في ذاته، بل العيوب تذكر بنفسها، على سبيل النصيحة، أما العمل بذاته فلا ينبغي تنقصه، فينبغي الحذر من التعصب ومن أسباب التعصب.
فمن أسبابه: كثرة المجالسة والمؤالفة والمعاملة، على سبيل المثال: تلميذ في مقتبل العمر عند شيخه، يسمع منه فيرى في هذا الشيخ الفضل، والنبل، والعلم، والوقوف عند الكتاب وعند السنة، والعمل بهما، والدعوة إليهما، وأنه لا يتكلم إلا بالحجة، وإلا بالدليل، فيترتب على ذلك ثقة مطلقة، فإذا سمع منه قولاً أو سمع عنه قولاً، لم يحمله إلا على أحسن محمل، وهذا حق لاشك في ذلك، ولكن قد يترتب على ذلك، أن يوالي فيه ويعادي، وينصر فيه، وقد رأيت أن بعضهم قد يتعصب حتى لمشايخ ماتوا، فمثلاً: الذي يقرأ لـ ابن حزم -رحمه الله- يجد ما فيه من القوة، ومن الشدة، ومن البراعة في الأسلوب ومن الأدلة، فتجد أنه يعجب بهذا الإمام، ويتقمص شخصيته، ويتأثر به فلا يقبل فيه صرفاً ولا عدلاً، وقد تجد أن إنساناً يلقي باللائمة على آخرين، رأيت وسمعت تلاميذ لأحد المشايخ يلقون باللائمة على تلاميذ الشيخ الآخر، أنهم متعصبون لشيخهم، وينسون أنهم قد يكونون واقعين في ما لاموا فيه الآخرين، من حيث لا يدرون، ولا يشعرون، وقد لا يكون ذلك كله من التعصب أحياناً فقد يكون من الحق، -كما ذكرت- حسن الظن، وحمل الكلام على أحسن المحامل، ومحبته هذا كله من الحق، ولا يلامون فيه، وقد يكون في ذلك نسبة تقل أو تكثر من التعصب ينبغي الحذر منها، والتحذير منها، وأول من ينبغي عليهم التحذير من ذلك، هم الشيوخ والزعماء والمتبوعون أنفسهم، فينبغي أن يحذروا أتباعهم، وتلاميذهم، ومن يلوذ بهم، يحذرونهم بكرة وعشياً وفي كل وقت من التعصب بغير الحق، ومن المبالغة في الولاء والبراء، والحب والبغض، في فلان أو علان من الناس، بل أن يربوهم ويربطوهم بالكتاب والسنة لا غير.
وقد رأيت وسمعت -أيضاً- أن عدداً -حتى من الأخيار المرموقين- يكون لديهم نوع من الولاء، ونوع من التعصب للعرق، والجنس واللون والقبيلة، والله تعالى يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] والنبي صلى الله عليه وسلم: {سئل عن أكرم الناس؟ قال: أتقاهم} فلا ينبغي أن يكون هذا سبباً في التعصب، لا بجنسية، ولا بقبيلة، ولا بغير ذلك كما قال الشاعر: ما بيننا عرب ولا عجم مهلاً يد التقوى هي العليا خلوا خيوط العنكبوت لمن هم كالذباب تطايروا عميا وطني عظيم لا حدود له كالشمس تملأ هذه الدنيا في إندونيسيا فd إيران في الهند في روسيا وتركيا آسيا ستصهل فوقها خيلي وسأحطم القيد الحديديا