الموالاة قائمة على أساس الدين

إن الأخوة بين المؤمنين والولاء، لا يجوز أن يكون بسبب البلد، فأحبك لأنك من بلدي، ولأنك من وطني، حباً زائداًً لا أحبه حتى لمن هو أقوى منك إيماناً، لأنه من بلد آخر، هذا لا يجوز أبداً، وكذلك لا يجوز أن يكون الحب -مثلاً- لأنك من قبيلتي، أو من عرقي، أحبك حباً زائداً ولو كان عندك معاصٍ وذنوب، وهذا الحب لا أمنحه لذلك الإنسان التقي النقي البر، لأنه ليس من القبيلة، أو ليس من العرق الذي أنتسب إليه، أو المذهب -مثلاً- قد تكون أنت على مذهب ورثته في بلدك، كالمذاهب الفقهية -مثلاً- أنت شافعي، أو حنفي، أو مالكي، أو حنبلي، فتجد أنه بسبب الاتفاق في المذهب؛ أنني أحب هذا الإنسان حباً شديداً، وأشعر بالثقة به والميل إليه، ثقة وميلاً وحباً لا أجدها في قلبي لإنسان آخر أعلم في قرارة نفسي أنه أنقى وأتقى لله عز وجل وأنفع للإسلام والمسلمين، وإنما حال بيني وبينه المذهب الفقهي، ومثله أيضاً: الطائفة أو الحزب الخاص، أو الجماعة، فتجد أنني قد أحب شخصاً لأنه من طائفتي، أو من جماعتي، أو من فئتي، حباً زائداً شديداً، مع ما أعلمه عنه من التقصير، أو من الوقوع في بعض المعاصي، أو من التفريط في حدود الله تعالى، هذا الحب وهذا الولاء وهذه النصرة التي منحتها له، لم أمنحها لشخص آخر أعلم أنا في قلبي أنه أتقى لله تعالى، وأطهر وأبر وأنفع للإسلام والمسلمين، لم أمنحها له لأنه ليس من طائفتي، أو ليس من حزبي، أو ليس من فئتي، أو من جماعتي، هذا مما ينقص من أصل الموالاة التي عقدها الله تعالى بين المؤمنين.

فعقد الموالاة قائم على أساس الدين، والإيمان، والتقوى، لا على أساس المسميات الخاصة، أو الانتسابات الخاصة، من بلد أو قبيلة، أو لون، أو طائفة، أو عرق، أو جماعة، أو مذهب، أو حزب، أو غير ذلك، فكل قوة في الولاء بغير الدين فهي ضعف، وكل زيادة في الولاء بغير الدين فهي نقص، ولهذا وضع الله تعالى تلك القاعدة بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] .

إذاً لا يكون ولاؤكم في الشعب، أو في القبيلة، فإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا في النسب، فإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا في المذهب، فإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا في الجماعة، أو الحزب، أو الطائفة، فإن أكرمكم عند الله أتقاكم.

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: من أكرم الناس؟ فقال: {أكرم الناس أتقاهم قال: ليس عن هذا نسألك} إلى آخر الحديث، المهم الكرم: هو بالتقوى، والميزان: هو ميزان التقوى، ولا يجوز أبداً أن تحول الأسماء، والرايات، والمذاهب، دون هذه الأخوة، ودون هذا العقد الإلهي الرباني الذي أبرمه الله تعالى بين المؤمنين، لا يجوز أن يكون الولاء في الفئة هو فيما بينها دون بقية المؤمنين، وعلى سبيل المثال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الأنصار هم أهل المدينة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر:9] وكان المهاجرون كما قال تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر:8] هم فئتان من المؤمنين، لكل فئة اسم يميزها، وقد يكون بينهم من الاتصال أحياناً في التزاوج أو غيره ما ليس بينهم وبين غيرهم، ولكن هذا الانتساب هل كان يجعل المهاجري يحب المهاجري أكثر من الأنصاري، ولو كان الأنصاري أكثر إيماناً وأكثر تقوى؟ كلا.

بل كان هذا الانتساب يتضمن اتفاقاً على أن الرابطة هي رابطة الدين، ورابطة الإخاء، وعلى أن الولاء هو الولاء الإيماني، الذي لا تحول بينه هذه المسميات، ولهذا لما قال رجل من المهاجرين: يا للمهاجرين،.

وقال رجل من الأنصار: يا للأنصار.

غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال: {أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟} أي تدعون وتتنادون وتتناصرون وأنا بين أظهركم، مع أن الاسم اسم إسلامي، فالمهاجرون سماهم الله تعالى مهاجرين، وكذلك الأنصار اسمهم في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى في الأنصار: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة:117] وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: {آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق} إلى غير ذلك من النصوص، فهو اسم إسلامي شرعي، ومع ذلك لما حصل التناصر والتنادي والتوالي به دون الاسم الشرعي الذي هو الإسلام، غضب النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر ذلك أيما إنكار.

إن كل قوم مجتمعين على أمر من الأمور كاجتماع على دعوة، أو على طلب علم، أو على خير، أو على جهاد، أو ما شابه ذلك، ولو كان أصل الاجتماع محموداً، فإن هؤلاء القوم ربما يسري بينهم بحكم كثرة رؤية بعضهم لبعض، ومحادثة بعضهم لبعض، ومناقشة بعضهم لبعض، ومعرفة بعضهم لأحوال بعض، وما هم عليه من الخير والمحاسن والفضائل، وتشاكي بعضهم إلى بعض، قد يحصل بينهم نوع من الولاء الخاص الذي قد يتحول ويتطور إلى تناصر وتحالف وتحزب على غير الحق، فيحتاج إلى تيقض دائم وانتباه لا يفتر، وحذر لا يهدأ، والمعصوم من عصمه الله عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015