صفات كل حزب والعلاقة بينهما

وقد حكم الله عز وجل وحكمه نافذ لا محالة، أن هذا التفرق لا يمكن إزالته بحال من الأحوال، وأن مد الجسور بين هذا الحزب وذاك أمر مستحيل، فلا وفاق ولا انسجام، بل هي العداوة والبغضاء أبداً، إلا أن يتحول الإنسان من هذا الحزب إلى ذاك.

فمثلاً: المجموعة الأولى من الآيات القرآنية يقول الله تعالى فيها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] ويقول سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] ويقول عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:55] ويقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:56] فهذه المجموعة من الآيات تثبت أن الحزب المؤمن -حزب الله- يتناصرون فيما بينهم، بالولاية الإسلامية، والإخوة الإيمانية، فهم بعضهم أولياء بعض، وهم إخوة، وهم أولياء لله ورسوله، فهذه ترسم أخوة المؤمنين، وترسخها، وتعمقها.

المجموعة الثانية من الآيات: مثل قول الله عز وجل: {والْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة:67] ومثل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] يعني بعض اليهود أولياء بعض، وبعض النصارى أولياء بعض، وكذلك اليهود أولياء للنصارى، والنصارى أولياء لليهود، خاصة إذا كانوا ضد المسلمين، فهذه المجموعة من الآيات تثبت الولاء والنصرة بين أولياء الشيطان، بين حزب الشيطان، وأن بعضهم ينصر بعضاً، ويؤاخي بعضاً، فجمهور المشركين متحالفون متناصرون فيما بينهم.

المجموعة الثالثة من الآيات: وهي التي تبين أن العلاقة بين هذا الحزب وذاك، علاقة حرب لا يهدأ لها أوار في مثل قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:4] لاحظ البراءة، ثم قال: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] لم يجعل الله تعالى بين هذين الحزبين إلا علاقة العداوة، والبغضاء، والحرب أبداً، حتى يؤمنوا بالله تعالى وحده، ومثله قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ} [البقرة:217] إذن هذه العداوة والبغضاء ليست من طرف واحد كما يتصور بعض الناس، لا من طرف المؤمنين ضد الكافرين، بل حتى الكافرون عندهم العداوة والبغضاء للمؤمنين في غالبهم، قد يوجد أفراد يخرجون عن هذه القاعدة، لكن القاعدة العامة، أن الكفار يبغضون المؤمنين، كما قال عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] هذا قرآن وكما قال عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] فلو جلست مع اليهود على طاولة المفاوضات، ولو ذهبت معهم إلى مدريد، وإلى موسكو، وواشنطن، ولو آخيتهم، ولو فتحت لهم بلادك، ولو سخرت لهم اقتصادك، لن يرضوا عنك، وكذلك الحال بالنسبة للنصارى، لو أعطيتهم كل ما تملك، وأطعتهم في كل ما يريدون، لن يرضوا عنك حتى تتبع ملتهم كما قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] في كل شيء: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:9] وقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] .

إذاً، الكفار يعادون المؤمنين، والمؤمنون يعادون الكفار، وهذه القاعدة الكبرى يجب ترسيخها، وتقريرها، ودعمها بالأقوال، والأعمال، والكلام عنها والإفادة من كل حدث ومناسبة، في تعميقها في نفوس المؤمنين، وأيضاً يجب دفع ورفع كل ما يعارضها، فقوة الولاء بين المؤمنين -مثلاً- تكون بقوة الإيمان، فكلما زاد إيمان الإنسان كان أولى بالموالاة، وأولى بالمؤاخاة، وكلما نقص إيمانه نقص ولاؤه، حتى إن المسلم العاصي يُحَب بقدر ما فيه من الإسلام، ويُبغَض بقدر ما فيه من المعصية، يُحَب بقدر ما فيه من الخير، ويُبغَض بقدر ما فيه من الشر، فيجتمع في حقه ولاء وبراء، وحب وبغض، بخلاف المؤمن المتقي فإنه يكون له محض الولاء، ومحض الإخاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015