ومن أسباب اجتماع الكلمة وطرد الشيطان ووساوسه: أن يلتزم الإنسان بالأخلاق الإسلامية العظيمة في مواطن الجدل، وفي مواطن الافتراق، والكلام في هذا الخلق أمر يطول، لكن أقتصر على نموذج واحد مما يحدد الميزان لذلك، وهو ما جاء في صحيح مسلم في كتاب الأمارة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: {كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فمنا من ينتظر، ومن هو في جشرة، ومن يصلح خباءه، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقام النبي صلى الله عليه وسلم وخطبهم، وقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يأمر أمته بخير ما يعلمه لهم، ويحذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن هذه الأمة جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تكرهونها، فمن أراد أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم إلخ} الشاهد قوله {وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه} فمن منا يحب أن يسب، ومن منا يحب أن يشتم، أو يكذب عليه في قول أو فعل، ومن منا يحب أن ينسب إليه السوء؟! قطعاً لا أحد.
وبالمقابل من منا لا يحب أن يُحفظ في عرضه، أو يُحسن إليه، أو يُثنى عليه بما فيه، وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل يا رسول الله: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، فيحمده الناس عليه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: تلك عاجل بشرى المؤمن} من منا الذي لا يريد البشرى؟ أن يبشر بالخير، ما دام أن ثناء الناس عليك بما فيك هو من عاجل البشرى.
إذاً ينبغي على الإنسان أن يأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليهم، فيعدل في قوله، وفي فعله، وفيما يأتي إليهم، ويضع نفسه في مكان أحدهم، وأيضاً ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز أبداً أن يكون المقصود بالكلام عن شخص معين، أو طائفة معينة، أو موضوع معين، ألا يكون المقصود هو إسقاط فلان أو علان، أو إسقاط هذه الجهة أو تلك، أو هذه الهيئة أو تلك، كلا.
بل المقصود: هو الوصول إلى الحق، وأنت ترى كثيراً ممن يكتبون الردود اليوم على العلماء وغيرهم، أنهم يردون في مسألة علمية، فيرد في تصحيح حديث -مثلاً- أو تضعيفه، أو تحسينه، وهذا مقبول، فلا مانع أن يرد إنسان على آخر في تصحيح حديث، ويستدرك عليه في هذا، لكن لا داعي أن يستغل أي زلة للتقليل من شأن هذا العالم، أو إثبات جهله، أو سوء نيته، أو غير ذلك، إن هذه الأمور غير سائغة، بل ينبغي أن تقول: هذا العالم اجتهد، لكن في المسألة الفلانية قد يكون أخطأ، أو أخطأ فعلاً، والدليل هو ما يأتي، وهذا ما أدى إليه اجتهاده، أما الكلام الزائد في أن هذا الإنسان يتبع الهوى، وأن هذا الإنسان فيه وفيه، وأنه جاهل، وأنه لا يعرف، إلى غير ذلك، فهذا يدل على أنه لم يكن المقصود هو الرد العلمي، ولا المناقشة الهادئة، وإنما كان المقصود: هو إسقاط فلان، أو هذه الجهة أو تلك، والله تعالى لا يصلح عمل المفسدين.
إذاً ليس من الصواب أن أحارب هذا العالم أو ذاك، وكأنني أقدم نفسي للناس بديلاً عنه، لا.
بل الميدان يسع الجميع، ويحتاج إلى مزيد من جهود المخلصين، وإذا كان عندك نوع من العلم، فقد يكون عند خصمك أنواع من العلوم وكما قيل: جاء شقيق عارضاً رمحه إن بني عمك فيهم رماح