قول الحق والعدل

فإن الله تعالى أمرنا أن نقول الحق والعدل كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء:135] وفي آية المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة:8] ويأمرنا الله تعالى أن نلتزم بالعدل، فيقول على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15] ويقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] والعدل في كل شيء، لكنه في القول بصفة خاصة من أهم الأمور قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام:152] وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90] وذكر عز وجل أن من قوم موسى كما قال: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:159] ليسوا من قوم موسى فحسب، بل من كل الأمم، وهذه الأمة فيها من يهدون بالحق وبه يعدلون، قال تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181] فهم باقون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

إذن من أسباب اجتماع الكلمة بين المسلمين، وتقارب قلوبهم، وزوال الخلاف فيما بينهم: العدل في الأقوال والأحكام.

ومن أسباب التشتت، والتفرق، وتنافر القلوب، وتزكية نيران البغضاء، والحقد والضغينة: الجور والظلم في الأقوال والأعمال والأحكام قال الله عز وجل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53] أي: من أعظم وسائل الشيطان في النزغ: القول: فإذا كان القول ليس من القول الحسن؛ بل هو من القول غير الحسن، كان ذريعة إلى تسلل الشيطان إلى القلوب، والنزغ بينها، وإيجاد ألوان من العداوة، والبغضاء بين المؤمنين، بل ربما بين خاصة المؤمنين: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53] .

الله تعالى ينصر ويحفظ من يقول الحق والعدل لوجه الله تعالى، فلا يقول الظلم والجور والباطل، ولا يكون قوله، أو عمله رياءً أو سمعة، بل يقول الحق، وبنية خالصة، وقصد حسن، فإن الله تعالى ينصره، ويحميه، ويبلغه ما يريد، إذا لم يقصد بذلك علواً في الأرض ولا فسادا، ولا محاباة لأحد، لا لرغبة ولا لرهبة، ولا لقرب ولا لبعد، ولا لصداقة ولا لعداوة، وإنني أرجو الله تعالى أن نكون جميعاً من المجتهدين في البحث عن الحق الذي يحبه الله تعالى ورسوله، وأن نكون من المجتهدين في القول به والدعوة إليه.

وإن كان الإنسان قد يخطئ في اجتهاده بسبب قلة علمه، أو قصور فهمه، أو بسبب ظلمة قلبه، وما يقع في القلب بسبب المعاصي والذنوب، ويحول بينها وبين إدراك مقصود الشارع، لكن المهم ألا يقول الإنسان الباطل، وأن يكون قوله للحق، أو لما يعتقد أنه هو الحق لوجه الله تعالى، لا يحابي في ذلك أحداً، ولا يخاف من أحد، من قوله ولا من فعله، فإن هذا من أسباب الوحدة بين المسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015