الجانب الثالث من جوانب المأساة: هو التهجير، فهناك الملايين الذين غادروا بلادهم إلى غير رجعة، والغريب أن الدول الأوروبية تتسابق اليوم بفتح ذراعيها لاستقبال هؤلاء النازحين وجعلهم في أماكن خاصة بهم، وذلك لتحقيق هدفين في وقت واحد.
أما الهدف الأول: فهو احتواء هؤلاء النازحين وإجراء عملية غسيل مخ لهم، لتغيير دينهم وتحويلهم من مسلمين إلى نصارى، خاصة إذا تصورنا أن معظم هؤلاء النازحين ربما يغلب عليهم الجهل بدينهم، والكثير منهم من الصغار والأطفال أو من النساء.
فمن السهل جداً أن تقوم الكنائس والمنظمات التنصيرية الأوروبية بتغيير ديانتهم وتحويلهم إلى نصارى -خاصة وأن الكثير منهم أيضاً يتربون داخل الكنائس وهناك أعداد كبيرة قد قامت الأسر المتدينة الأوروبية باستقبالهم وإيوائهم ليعيشوا بينهم، هذا هو الهدف الأول، وهو تحويل المسلمين إلى نصارى {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] إنه لن يشفع للمسلمين أيها الإخوة أن يكونوا جهلة بدينهم، ولا يشفع للمسلمين أن يكون الكثير منهم يتعاطون الخمور، ويتركون الصلوات، ويعاشرون الكفار، ويتعايشون معهم، ويتآخون معهم، ويختلطون بهم.
بل لم يشفع لهم أن تقوم مجتمعات المسلمين على أسس علمانية غير إسلامية؛ فإننا نعلم أن تلك البلاد التي تعاني الحرب كانت بلاداً أبعد ما تكون في حقيقتها عن الالتزام الحقيقي بالإسلام في عقائدها وأخلاقياتها وسلوكها -فضلا عما وراء ذلك من أمور الاقتصاد والإعلام والسياسة وغيرها.
فالعدو يقتل المسلمين اليوم بمجرد انتسابهم للإسلام، أو بمجرد كونه يحمل اسم علي أو أحمد أو محمد أو حارث أو سالم أو غير ذلك.
مصداقاً لقول الله عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] هذا الهدف الأول إذاً وهو تنصير المسلمين.
أما الهدف الثاني لاستقبال الدول الأوروبية لهؤلاء النازحين والفارين بحياتهم من جحيم الاعتداء الصربي فهو: المساعدة في تفتيت التجمع الإسلامي في البوسنة؛ لأن هذا الرحيل وهذا النزوح هو الكفيل بتحويل منطقة البوسنة والهرسك إلى ما يسمى بـ (كانتونات) كما تدعو بذلك الدول الأوروبية، يعني أقاليم متفرقة يكون نصيب المسلمين منها قليلاً وغير قادر على التحرك، بأي حال من الأحوال.
ولم يكن لسان إسحاق رابين في وضعه الطبيعي عندما منح حق اللجوء للبسنويين المشردين.
تصور حتى إسرائيل فتحت ذراعيها لاستقبالهم، وتناست أنهم يخالفونها في العرق وفي اللون أيضاً، ولأول مرة يبدي الشعب اليهودي الذي يحرص على النقاء العرقي لسكان إسرائيل -أو ما يسمى بإسرائيل- لأول مرة يبدي تنازلاً ويبدي استعداداً لاستقبال شعب من عرق آخر ومن دين آخر، ولذلك كان لابد للمرء أن يندهش لمثل هذا التصرف لولا اليقين القاطع بأن أوروبا وأمريكا وإسرائيل كلها وجوه لعملة واحدة، ولا نحتاج إلى مزيد من الأدلة بعد ما بين الله تعالى أن بعضهم أولياء بعض