جوانب من المأساة

إن مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك مأساة لا يستطيع أن يتصورها إلا من شاهد ولو بعض فصولها؛ وليس من رأى كمن سمع، ولا الذي يسمع بحرِّ النار كالذي يطأ بقدميه على الجمر، وإن مجرد النظر إلى صورة امرأة مسنة وإلى وجهها الذي بانت عليه تجاعيد السنين، وإلى عيونها الدامعة، وإلى صرخاتها التي تنطلق في الهواء، تبكي نفسها، تبكي غربتها، تبكي أولادها، تبكي زوجها، تبكي بيتها المهدم، تبكي طريقها الذي مشت فيه، وهي لا تدري إلى أين تصير ولا إلى أين تسير! أو تتجسد هذه المأساة على وجه طفل بريء يصرخ، والرضاعة في فمه، وهو محمول بالحافلة أو بالطائرة وسط مجموعات كبيرة من الأطفال الصغار، الذين لا يدرون إلى أين هم ذاهبون، ولا يعرفون لآبائهم ولا لأمهاتهم مكاناً، ولا يعرفون ماذا جرى في هذه البلاد! والطفل في المهد لم يعلم بما انقلبت حياته بعد بشرٍ شر منقلب فهي مأساة كبيرة، مأساة شعب قوامه ستة ملايين، مأساة بلاد واسعة عريضة، ومأساة المزارع الخضراء، ومأساة الدين الذي هُجِّر أهله وشردوا وقتلوا وحشدوا وحشروا في معسكرات الاعتقال.

وإنك تسمع أحيانا عن مأساة شخصية يفلح صاحبها في تصويرها، فلا تملك عينك من البكاء والدموع، ولا تملك الألم أن يعتصر قلبك، فكيف ترى يكون الحال وأنت أمام مأساة شعب بأكمله؟! تلفتوا هاهمُ في الأرض إخوتنا شعبٌ برمته في العري يحتضرُ كانوا بأوطانهم كالناس وانتبهوا فما همُ من وجود الناس إن ذكروا مشردون بلا تيه فلو طلبوا تجددَ التيه في الآفاق ما قدروا يلقى الشريد فجاج الأرض واسعة لكنهم في مدى أنفاسهم حشروا في خيمة من نسيج الوهم لفقها ضمير باغٍ على الإسلام يأتمر أوهى وأوهن خيطاً من سياسته لو مَسَّها الضوءُ لا نقَدَّتْ بها السُتُرُ! تعدو الرياحُ بها نَشْوى مُقَهقِهةً كأنها بشقوق الرمل تنحدرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015