أخبار مأساة المسلمين في البوسنة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله مع هذا الدرس الخامس والسبعين من سلسلة الدروس العلمية العامة في هذه الليلة المباركة -إن شاء الله- ليلة الإثنين الأول من شهر جمادى الأولى لسنة 1413 هـ.

كنت قد وعدتكم في المجلس السابق أن أتحدث إليكم اليوم عن موضوع (الإسلام والغرب) والواقع أن هذا الموضوع طويل، وأن الحديث فيه يتطلب مجالس متواصلة فسيكون حديثي إليكم في هذه الليلة ربما أولى حلقات الحديث عن هذا الموضوع، إن شاء الله، وهو في الوقت ذاته وفاء بوعد سابق كنت قطعته لكم أن أتحدث تخصيصاً عن مأساة المسلمين في يوغسلافيا في البوسنة والهرسك فسيكون حديثي إليكم اليوم إذاً في القضية البوسنوية.

أيها الإخوة: لقد كنا نسمع في الأخبار منذ زمن المعركة الدائرة بين الكروات والصرب فيما كان يسمى بـ يوغسلافيا، وكان الطرفان من النصارى على رغم الخلاف المذهبي بينهما، وكانت ثمة معارك ضارية أتت على الأخضر واليابس، وتناقلتها وكالات الأنباء، وتحدث عنها العالم شهوراً طويلة، ثم سكت الأمر، وتدخلت ما يسمى بالأمم المتحدة بقواتها وفصلت بين الطرفين المتحاربين.

وكان المسلمون يقفون في تلك المعركة إلى جانب الكروات، وقد صرح شهود محايدون كثيرون بأن دور المسلمين في الدفاع عن كرواتيا ومقاومة الصرب دور كبير مشهود وأنهم كانوا من أهم الأسباب في امتناعها عن الصرب.

أرسلت الأمم المتحدة ما يزيد على أربعة عشر ألف جندي للفصل بين الطرفين المتحاربين بين الصرب والكروات، بين النصارى والنصارى، فماذا يعني هذا بالنسبة للأمم المتحدة؟ يعني أنها أولاً: تدخلت لمنع إراقة الدم النصراني بالسلاح النصراني، فحالت بين النصارى أن يقتلوا إخوانهم في العقيدة والدين، وبينت حقيقة ميلها وتحالفها وانحيازها إلى النصارى في كل مكان، وهذا أمر لا نستغربه ولا نستكثره.

أولاً: لأننا نعلمه من كتاب الله عز وجل، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] فإذا كان اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فما بالك بالنصارى مع النصارى؟ لاشك أنهم أكثر ولاءً وإخاء ومحبة بعضهم لبعض، ولهذا تدخل النصارى القائمون على الأمم المتحدة بعشرات الآلاف من الجنود للحيلولة دون إراقة الدم النصراني هذا أولاً ثانياً: كانت هذه القوات التي بعثوا بها للفصل بين الكروات والصرب فرصة نفيسة وذهبية، ليسحب الصرب قواتهم التي كانت تقاتل الكروات، ويذهبوا بها في اتجاه البوسنة، يذهبوا بها إلى الجبهة الإسلامية، وقد صرحت بهذا حتى الصحف الغربية نفسها، وعلى سبيل المثال فقط: هناك صحيفة ألمانية اسمها صحيفة فرانكفورتر صرحت في تاريخ (29/8) بالتقويم الميلادي: أن ذلك كان من أهداف التدخل بين الكروات والصرب، وأن الصرب استغلوا الفرصة ونقلوا قواتهم من مواجهة إخوانهم الكروات النصارى إلى مواجهة المسلمين.

وهكذا انتقلت المعركة إلى معركة بين الصرب المتوحشين النصارى وبين المسلمين العزل الذين لا يملكون أي سلاح يدافعون به عن أنفسهم، وانتقلت المعركة إلى داخل البوسنة بل إلى العاصمة ذاتها سراييفو، وذلك كله وسط تشكيك عالمي بخطورة قيام حكومة إسلامية أو دولة أصولية في منطقة البوسنة والهرسك، وهذا ما صرح به الرئيس الفرنسي نفسه للرئيس البوسنوي علي عزت، حيث قال له (إننا نحذركم من إقامة حكومة أصولية في هذه المنطقة أو قيام مجتمع أصولي) وأمام هذه الحرب الضروس، التي يتصدر لها الصرب، ويؤيدهم العالم كله، أصبحنا نرى جوانب كثيرة من المأساة يواجهها المسلمون، نلخصها في بعض النقاط التالية وهي بعنوان (جوانب من المأساة) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015