النقطة الخامسة: قضية الخطوط المتوازية: فلا يلزم أن نتقاطع دائماً إذا اختلفنا، أو يدمر بعضنا جهود بعض، حتى لو لم يكن لديك قناعة بما يفعله الآخرون دع الأمر للوقت، ربما يتبين مع الأيام أن ما كان يفعله صواباً أو خطأ، أو أن فيه بعض الصواب وبعض الخطأ.
أحياناً فرط إحساسنا -أيها الإخوة- بالمسئولية، كأننا مسئولون عن الأمة، وعن الناس، وعن الدعوة، وعن العلم، فرط الإحساس يحملنا على توزيع البطاقات الحمر ذات اليمين وذات الشمال مع كل من نختلف معهم في الرأي أو في الاجتهاد, أو في القول، أو في الانتساب, أو حتى في المزاج في بعض الأحيان.
وربما نقوم بمراقبة الآخرين ونفتح ملفات لأخطائهم، فعندنا قائمة بماذا أخطأ فلان وماذا أخطأ علان وهذا في الواقع هو إلى الله سبحانه وتعالى، ولهذا كان من أقوال عيسى عليه السلام: لا تنظروا في أعمال الناس كأنكم أرباب، بل انظروا فيها كأنكم عبيد.
ولذلك يقال: إن رجلاً اغتاب بعض الصالحين عند ابن المبارك، فقال له: غزوت الروم؟ قال: لا السند؟ قال: لا الديلم؟ قال: لا الترك؟ قال: لا، قال: سلم منك الروم والهند والسند والديلم والترك؛ ولم يسلم منك أخوك المسلم!! ولذلك تجد أن كثيراً منا ربما لا يستخدم الأسلوب نفسه مع أعداء الإسلام، ولو قيل له في ذلك لم يعر اهتماماً لهذا، وقد لا يعتني بمتابعة الأحوال والأوضاع والمتغيرات التي لها أثر عقيم وعظيم في واقع الأمة، وفي سلوكها، وفي حاضرها ومستقبلها، ورجالها ونسائها، ولها تأثير في غاية الأهمية، ربما يرى أن الاشتغال بمثل هذه الأشياء نوع من الفضول، ويعتني ببعض الخلافات التي تقع مع إخوانه المسلمين.
أذكر الإخوة في هذا المجال بقضية التعاون، وقضية أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، الشافعي رحمه الله كان يقول: قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تغادر منزله إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله فالفضل في الحالين له وأحمد رحمه الله كان يقول: الشافعي كالشمس للدنيا والعافية للبدن، فهل ترى لهذين من عوض، أو عنهما من خلف؟!! وكان يقول أيضاً: كنا على خلافٍ مع أهل الرأي -من أصحاب أبي حنيفة من أهل الكوفة - حتى جاء الشافعي فأصلح بيننا.
وكثيراً ما كان يقول: إنه قلَّ ما أصلي إلا ودعوت الله تبارك وتعالى له.
ومالك هو أحد شيوخ الإمام الشافعي.
وهكذا تجد أن هؤلاء الأئمة كانوا كلهم كأنهم عائلة واحدة وأسرة واحدة.