النقطة السادسة: قضية التفريق بين الثوابت والمسلمات القطعية المعروفة من الدين بالضرورة، وبين الاجتهادات والمتغيرات والأشياء القابلة للأخذ والرد فبالنسبة للثوابت والمسلمات هي محكمات في دين الله عز وجل، لا مجال للاختلاف حولها؛ من نصوص الكتاب والسنة، وإجماعات السلف الصالح رضي الله عنهم الصادقة القطعية، وهذه الأشياء هي معقد الولاء والبراء بين المؤمنين، وهي أصل الدين، ولهذا يسميها ابن تيمية رحمه الله: الدين الجامع؛ لأنه لا خلاف حولها، وهناك الأمور التي يقع فيها اختلاف، بعضهم يحدث عنده خلل، فربما يشكك في المحكمات، كما نجد في بعض المدارس الفكرية المعاصرة، في كثير من المؤلفات والمصنفات والكتب، فقد أصبحت تشكك في بعض محكمات الدين وقطعياته وضرورياته، وتحاول إعادة فهم القرآن الكريم، وهذا لا شك أنه انحراف خطير يفضي بأصحابه إلى خارج الدائرة الإسلامية.
لكن ثمة خلل آخر يقع أيضاً، وهو أن يقوم البعض بما أسميه التخريج على الثوابت، وأعني به أن يخرج الإنسان بثوابت الدين وقطعياته ما ليس منها، ليعزز اختصاصه بشيء أو تميزه بشيء، أو ليخرج غيره ممن يختلفون معه، ولهذا أقول: إن حكاية (المنهج) وربما الكثيرون يطلقون كلمة المنهج المنهج المنهج علينا أن ندرك أن كلمة (المنهج) لا تعني إلا الكتاب والسنة والدين الصحيح، عندما يقول الإنسان: نتمسك بالمنهج وما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، يجب ألا يعتمد فيه على الرأي المجرد، أو الاجتهاد الخاص، وإنما على النقل المحقق، وحتى القول لواحد من أئمة السلف، كأن يكون قولاً لـ أحمد أو الشافعي أو مالك أو الأوزاعي أو سفيان أو الزهري، فإنه لا يتحول إلى منهج بمجرد كونه قولاً قاله، وإنما المنهج هو ما أجمعوا وأطبقوا عليه وانطلقوا منه.
الخلاف إذاً لا يكون في الثوابت والمسلَّمات وإنما يكون فيما وراء ذلك يكون في الفقهيات والفروع وهي كثيرة جداً، وأمور عملية؛ كالخلاف في بعض مسائل الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، وكان الصحابة رضي الله عنهم يختلفون فيها.
أيضاً: يكون الاختلاف في الوسائل وليس في الغايات، الغاية واحدة لكن اختلفنا في وسيلة معينة هل نستخدم هذه الوسيلة أم تلك؟ البعض -مثلاً- قد يتحدثون عن الاختلاف في استخدام التقنيات الحديثة في الدعوة إلى الله عز وجل، أو استخدام طريقة معينة في دعوة الشباب، يكون الاختلاف في الأساليب لا في الأهداف، فالأهداف واحدة لكن أسلوب الدعوة أن يكون بشدة أو بلين، أو بطريقة أو بأخرى، أو بصورة فردية أو جماعية، هذا أيضاً أسلوب لا يؤثر الاختلاف فيه.
مثال ذلك أيضاً: الاختلاف في نوازل الأمة التي تلاقيها، فإن الخلاف في هذه النوازل والأمور الواقعة الحادثة الجديدة التي لا سابق لها، يحتاج إلى نظر وإلى تأمل وإلى استنباط: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] .