والسبب الثاني: في التلقيب أنه يعود إلى صفات خُلقية تتعلق بأخلاقهم, ولعل من ذلك: الفاروق عمر رضي الله عنه فإنه كان قوياً في الحق يفرق بين الحق والباطل, وكذلك كان الشيطان يفرق من ظله -يعني: يخاف ويهرب- كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ عمر: {ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} يعني طريقاً غير طريقك, فسمي بذلك.
ومثله: الصديق لأنه كثير الصدق، كثير التصديق, ما بلَّغه النبي صلى الله عليه وسلم بأمر إلا صَدَّقَه, ولما كانت حادثة الإسراء والمعراج كََذَّبَ الناسُ وصَدَّقَ أبو بكر رضي الله عنه, صدَّق أبو بكر فسُمِّي الصديق , وفى صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قصة عجيبة فيها نطق بعض الحيوانات وكلامها فقال عليه الصلاة والسلام: {أما إني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر} فنطق النبي صلى الله عليه وسلم في غيبة أبي بكر بأن أبا بكر يؤمن بهذا, لأنه لُقِّب بـ الصديق لكثرة تصديقه.
ولعل منه أيضاً: لقب حيدرة وهذا لقب يطلق على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان يقول وهو في معركة خيبر يقاتل اليهود ويقول: أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة أكيلكم بالصاع كيل السندرة فسمته أمه حيدرة , وحيدرة هو: الأسد, يقولون إن للأسد سبعين اسماً في لغة العرب، أحدها حيدرة, فسمي علي رضي الله عنه بـ حيدرة تفاؤلاً، وهكذا رضي الله عنه كان من أشجع الشجعان, وأقوى الفرسان, وله في ذلك قصص ومواقف عجيبة ومشهورة, منها قصته في معركة فتح خيبر, فلقب بذلك لشجاعته وبسالته رضي الله عنه.
ومنه: الفياض طلحة بن عبيد الله، لُقِّب بـ الفياض لكثرة فيضه وجوده وكرمه رضي الله عنه, وكان غنياً جواداً سمحاً باذلاً للمال, فسمي بـ الفياض.
يقول علماء الحديث ومن ذلك: أن محمد بن عبد الرحيم، أحد الرواة كان يسمى صاعقة , هذا لقب له، نزل منزلة الاسم له بدلاً من أن يقولوا: محمد بن عبد الرحيم يقولون: صاعقة , وذلك لأنه كان قوي الحفظ جداً، ما إن يسمع شيئاً حتى يحفظه, فسمي بـ صاعقة لفرط ذكائه وقوة حفظه.
ومنه أيضاً: شيخ الإمام مالك، ربيعة بن عبد الرحمن، أو ربيعة بن فروخ , كان يسمى ربيعة الرأي , وهو إمام فقيه عالم حتى أن الإمام مالكاً رحمه الله لما مات ربيعة , قال ذهبت لذة الفقه بعد ربيعة، سمي ربيعة هذا بـ ربيعة الرأي لأنه كان بصيراً بالقياس والرأي والتعليم فلقب بذلك.
ومثله أشياء كثيرة تتعلق بأوصاف الملقبين الخُلُقية.