والسبب الأول: قد يكون إطلاق اللقب على الإنسان لصفة جسمية فيه, مثل ما قيل مثلاً: عن الأحنف بن قيس التميمي الشجاع, البطل, الحليم، الذي كان يضرب به المثل في الحلم فيقال: (أحلم من الأحنف) وله في ذلك قصص عجيبة منها: أنه كان يوماً جالساً مع قوم, فجاءت الجارية بطعام حار لتضعه، فسقط من يدها على بعض أولاده فأصابه, فغضب عليها غضباً شديداً, فقالت له: [[ (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فسكت وقال: قد كظمت غيظي، فقالت: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: قد عفوتُ عنكِ، فقالت: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فقال: أنتِ حرة لوجه الله تعالى]] .
وقيل له يوماً من الأيام: [[ما حِلْمُك؟ قال: والله إني لأجد مثل ما تجدون, ولكنني أصبر نفسي]] فهو يجد من الألم مثل ما يجد غيره لكنه عود نفسه الصبر حتى صبر, وسمي الأحنف لحَنَفٍ ومَيْلٍ في رِجْلِه, وكانت أمُّه تُرَقِّصُهُ وهو صبي صغير, وتقول: والله لولا حَنَفٌ برجله وقلةٌُ أخافها من نسله ما كان في فتيانكم من مثله فهذا لقبٌ لهُ - الأحنف - لهذا الحنف والميل الذي كان في رجله.
ومثله: الأشج: وهو لقب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه الله، أشج بني مروان, وأشج بني أمية, سقط من على فرسه فشج وجهه وأصابه دم, فكان أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول له: والله إن كنت أشج بني مروان إنك إذاً لسعيد, وذلك لأنه ورد أنه في بعض كتب أهل الكتاب السابقين أن رجلاً يقال له الأشج يحكم هذه الأمة ويَعْدِل فيها, وفيه البشارة بخروجه, وكان أبوه يمسح الدم عن وجهه ويقول: والله إن كنت أشج بني مروان إنك إذاً لسعيد.
فهذه الألقاب لهؤلاء بأوصاف جسمية فيهم، ومثله قال الله عز وجل: {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:2] وهو عبد الله بن أم مكتوم , وكان قد وُلِدَ أعمى, أو عمي في أول عُمُرِه كما سبق تقريره في الدرس الماضي, وكذلك اشتهر عند المترجمين والرواة والمؤرخين ألقاب كثيرة مثل (الأعرج، الطويل، القصير، البطين، الأحول) إلى غيرها من الألقاب المتعلقة بصفات خلقيه لهؤلاء الملقبين.