الغثائية في هذه الأمة

أما اليوم فقد حق على هذه الأمة ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وأحمد وغيرهما بسند صحيح عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يُوشِكُ أَنْ تتَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا، قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْكم غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ} .

حين تنظر إلى هذا الزبد الذي يجري أو يكون فوق سطح الوادي إذا سال، ماذا تجد في هذا الغثاء؟ تجد فقاقيع هواء، وأشياء لا قيمة لها ولا نفع بها، فتزول وتمضي، كما قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد:17] فالزبد يمضي وينتهي ويتبخر، ويبقى ما ينفع الناس.

إذاً الأمة المسلمة اليوم تعيش مرحلة الغثائية.

ولو أردنا أن نجري عملية حسابية لوجدنا أن مسلماً واحداً من المسلمين الأولين ربما لو وزن بألوف بل بمئات الألوف ممن ينتسبون إلى الإسلام اليوم لرجح بهم ديناً، وقولاً، وعملاً، واعتقاداً، وفهماً، وإدراكاً، وتضحيةً، ولذلك لم ينفع المسلمين كثرتهم وعديدهم، بل هم أضعف الأمم وأقلها وأهونها في أعين الناس.

وحق علينا الوهن الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: {وليَنَزِعنّ الله الْمَهَابَةَ مِنْ صدور عَدُوِّكُمْ، ولَيقذفن فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، قَالَوا: وَمَا الْوَهْنُ يا رسول الله؟ قَالَ: حُبُّ الدنيا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ} .

إذاً: فالإنسان الذي يتعلق بالدنيا، بزينتها بأموالها بوظائفها بمناصبها ليس لديه استعداد للتضحية فهو حريص على هذه المكاسب ألا تزول، ولذلك ليس له رغبة أن يبذل، أو يضحي في أي مجال؛ لأن عنده مكاسب: أموالاً أو مناصب أو جاهاً أو سمعة أو أمراً معيناً يريد أن يحافظ عليه، فليس لديه رغبة في أن يضحي بأمر من الأمور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015