رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة

النقطة الثالثة: في واقع الناس التي يخطئون فيها موضوع رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وهذا يشيع عند الخاص والعام، فلكل صنف منهم نوع، أما بالنسبة للخاصة مثل الوعاظ والمذكرين والدعاة، فهناك نوع من الأحاديث الموضوعة ينتشر عندهم، وسأذكر الموضوع فقط بغض النظر عن الضعيف، فمثلاً عند الخاصة كما ذكرت من الدعاة، وطلاب العلم بالنسبة لهؤلاء ينتشر عندهم أحاديث تناسب موضوعاتهم.

فمثلاً إذا تكلم الواحد منهم عن الغناء ساق الحديث الذي يقول: (الغناء رقية الزنا) والواقع أن هذا ليس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام الفضيل بن عياض رحمه الله، والغناء المعروف حرام لا شك، لكن فرقٌ بين تحريم الغناء، وبين أن نحتاج إلى حديث موضوع لنعزز به حكماً شرعياً! فالأحكام الشرعية ثابتة في الكتاب والسنة، ولا تحتاج إلى تعزيزها بأحاديث ضعيفة، فضلاً عن أحاديث موضوعة.

كذلك إذا تكلم واحد منهم عن عزل النساء وإبعادهن عن الرجال، استشهد بحديث: (باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء) ! وهذا أيضاً ليس بحديث فهو غير ثابت، كما ذكر ذلك العجلوني في كشف الخفا، (ونقله عن جماعة من أهل العلم) أنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال من الأحوال وليس له سندُ.

كذلك إذا أراد أحدهم أن يتكلم عن فضل صلاة الليل وأثرها علي العابد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار) وهذا حديث أيضا موضوع، ولوضعه قصة طريفة ستأتي في مناسبتها، وقد رواه ابن ماجة وغيره، وهو حديث موضوع، ولا يصح، ولا يجوز الاستدلال به، وعندنا في فضل قيام الليل آيات، وأحاديث تغني عن حديث موضوع.

كذلك من الدعاة من يستشهدون بحديث، أو يزعمون أنه حديث، وهو ليس بحديث (من قال: أنا عالم فهو جاهل) ! وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية أن هذا من كلام يحيى بن أبي كثير، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى صحيح على كل حال.

أما بالنسبة للعامة فحدث ولاحرج عن روايتهم الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة، وسأذكر طائفة من الأحاديث، وأود أن أنبه إلى أن بعض العامة يذكرونها على أنها ليست حديثاً إنما هي حكمة أو مثل، وهذا لا إشكال فيه، ولا بأس به، لكن إذا ذُكِر على أنه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهنا الخطأ والخطأ العظيم.

فبعض العامة يقولون: بارك الله فيمن زار وخفف! إذا قالوها على أنها كلمة جارية على الألسنة فلا حرج ولا بأس، فقد يأتيه ضيف ثقيل، ويطيل المقام عنده، ويجلس أربعة أيام بلياليها، فيقول له: بارك الله فيمن زار وخفف! لا بأس بذلك، ما دامت كلمة تقال، أو مثلاً يقال، ولكن أن ينسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا شك أنه غير صحيح، كما ذكر ذلك العجلوني وغيره أنه ليس بحديث.

أيضاً مما نسمعه على ألسنة العامة أن بعضهم يقول: ريق المؤمن شفاء، وبعضهم يقول: لعاب المؤمن شفاء، ولكن عند عامتنا في نجد يقولون: ريق المؤمن شفاء، وهذا أيضاً ليس بحديث، فإن قالوها على أنها كلمة فهذه لا أقول: إنها تصح، بل فيها تفصيل.

ريق المؤمن يعني قراءته للقرآن ونفثه فهذا صحيح؛ فالرقية مشروعة، أما إن قصدوا الريق بذاته فذلك ليس بصحيح، ليس شفاء إلا مع القرآن، أما بذاته فليس شفاء إلا مع شيء من الذكر والقرآن والدعاء أو ما أشبه ذلك.

ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبل إصبعه، ويضعه في الأرض، وهو يقول: {تربة أرضنا في ريقة بعضنا يشفى بها سقيمنا بإذن ربنا} فيما أذكر من الحديث.

إذاً الريق ليس شفاء بذاته إلا إذا كان معه شئ من القرآن والذكر، أما أن ينسبوا هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ريق المؤمن شفاء.

فهذا باطل لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك السخاوي في المقاصد الحسنة.

ومن الموضوعات التي تشيع على ألسنة العوام، يقولون: الناس بالناس والكل بالله! بمعنى أن الناس يحتاج بعضهم إلى بعض والجميع محتاجون لله جل وعلا، وقد ذكر الغزي أنه ليس بحديث، ولا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام الناس.

قل مثل ذلك في المشهور: حب الوطن من الإيمان وهذا باطل موضوع، كما ذكر جماعة من أهل العلم منهم السخاوي، والصاغاني، وغيرهما أنه حديث موضوع، والأحاديث الموضوعة على ألسنة العامة كثيرة، فإن صرحوا برفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يجوز، وينبغي الإنكار عليهم.

والأغرب والأدهى من ذلك، والأمَر أن بعض العامة لا يكتفون بنسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ينسبونها لرب العالمين، قال لي أحد الشباب: إن أبى يقول: قال الله، ثم يأتي بحديث، فإن قلت له: هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بهذا من عنده، كله من عند الله! فينسب الحديث إلى الله عز وجل.

فهذا لا يجوز، بل إذا قلت: (قال الله) فلا تقل إلا آية محكمة، أو حديثاً قدسياً ثبت بسند صحيح، وإلا فما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ينسب إليه؛ لأنه من عنده صلى الله عليه وسلم والله تعالى أقره عليه، أو قد يكون ألهمه إياه، والمهم أنه لا ينسبه إلى الله تعالى قولاً.

ومن الأشياء التي تزعج وتحزن كثيراً: أن أكثر ما ينتشر من الأوراق والنشرات المتداولة عند الناس، هي من الأحاديث الموضوعة، ويا سبحان الله! لو كتب الإنسان حديثاً من صحيح البخاري في ورقة ونشره فقد يوزعه إلى عشرة، أو عشرين، ثم يتوقف، لكنه إذا كتب حديثاً موضوعاً يوزع بالألوف، وتجده في مدارس الأولاد، ومدارس البنات، وفي الطائرة، وفي السوق، وفي المسجد، وفي الجامعة، وفي كل مكان! حكمة لله جل وعلا! والسبب في ذلك، أن الأحاديث الموضوعة -والله تعالى أعلم- يكون فيها من التهاويل والمبالغات والخزعبلات ما يتناسب مع عقول السذج والبله، فيسرعون في نشرها، أما الحديث الصحيح، ففيه من الرزانة والوقار ما يجعل عين هذا العامي قد تقرؤه، ولا تتحرك له؛ فلذلك لا يسارعون في نشره.

وقد أعطاني شابٌ في الجامعة حديثاً مكتوباً في صفحة عن خالد بن الوليد أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله! كيف أكون أعلم الناس؟ قال: اعبد الله تكن أعلم الناس، فقال كيف أكون أورع الناس؟ وهكذا كيف أكون اتقى الناس؟ صفحة كاملة حوالي خمسة وثلاثين أو ثلاثين سؤالاً، يقول الأعرابي: مثلاً كيف أكون أغنى الناس؟ أعلم الناس؟ أتقى الناس؟ أعبد الناس؟ أورع الناس؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يجيب بذلك، وكلها أشياء لغتها ركيكة، ومعانيها باهتة، وواضح جداً أنها لا يمكن أن تصدر عن مشكاة النبوة، فبمجرد ما رأيته، قلت له: هذا حديث موضوع، والغريب أن الحديث مكتوب فيه (رواه الإمام أحمد بن حنبل) فرجعت للمسند، رجعت إلى فهارس المسند: فهرس بسيوني، حمدي السلفي - فلم أجد لهذا الحديث أثراً، ثم رجعت إلى مسند خالد بن الوليد في مسند الإمام أحمد، وهو قليل، فلم أجد هذا الحديث، وبحثت عنه في عدد من الكتب، فلم أجد هذا الحديث، وقد يكون موجوداً في كتب الموضوعات، لكن الحديث مما يُجزم ويُقْطع بأنه باطلٌ ومكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أفادني الأخ بأنه يُوَزَّعُ بكميات كبيرة.

وقبله بأسبوع أعطاني أحد الشباب نشرةً حوالي خمس ورقات من الحجم الكبير فيها حديث وجزل والذي وضع هذه الأحاديث -لا كثر الله من أمثاله- قد وضع حديثاً مختلقاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مجلس، فدخل عليه الشيطان إبليس، وقال له: إن الله تعالى أمرني أن آتيك وأصدقك في الحديث، وتوعدني إن لم أفعل فإنه سوف يهلكني ويحرقني وكذا، وكذا، فالآن أنا بين يديك سلني أجبك، فبدأ الرسول -على حسب ما يزعم واضع الحديث- يسأله عن سبب إغوائه الناس، وطريقته مع الشباب، ومع الكبار، ومع التجار والملوك والأمراء والسوقة والنساء ومع ومع والشيطان في هذا الاستجواب يجيب ويبين، حتى أن الأمر تطور، وأصبح الشيطان يبين أجور الأعمال! فهذا الواضع -مثل ما قلت لكم قبل قليل- كذاب ولا يحسن الكذب! فبدأ يقول: إنه من فعل كذا له من الأجر كذا، ماذا يدريك عن الأجور؟! إنَّ الأجور عند الله عز وجل، فإبليس شيطان رجيم لا يعرف الأجور، ولا يدري ما مقدار الأعمال الصالحة وثوابها عند الله جل وعلا! إنه حديث موضوع مكذوب مختلق، وقد أفادني أنه يوزع، وينشر في عدد من البلاد التي يحتاج أهلها إلى التوعية والتنوير، وشئ من ذلك كثيرٌ جدا.

ولعلكم تذكرون أيضاً النشرة التي وزعت وفيها عقوبات النساء: المرأة التي معلقة بثديها، والأخرى معلقة بشعر رأسها، والثالثة معلقه بعرقوبها، ورابعة، وخامسة، وعاشرة، وهو حديث إذا قرأته تشمئز منه، وتشعر بأنه باطل، وأنه موضوع، وأن فصاحة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبلاغته لا يمكن أن يصدر منها مثل هذا الكلام الركيك، ومع ذلك هو مكتوب، ويوزع بكميات كبيرة.

فينبغي التثبت من مثل ذلك، وخاصة في موضوع هذه النشرات التي تنشر، وتقال، وعدم المشاركة، أو المساهمة في نشر شيء منها إلا بعد التحري، ومعرفة إن كان صحيحاً أم مكذوباً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015