السبب الخامس: الخوف الدائم من الانحراف وسوء الخاتمة

فإن الشيطان لا يوقَّر أحداً، ولا يمتنع من أحد، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] .

فانظر كيف خوطب المؤمنون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالنهي عن معصية رفع الصوت على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الجهر عليه كما يجهر بعضهم لبعض، ثم قال الله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2] ولهذا بوب الإمام البخاري رحمه الله: باب مخافة الإنسان أن يحبط عمله وهو لا يشعر, وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] يؤتون ما آتوا، يعني: يعطون ما أعطوا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة: {قالت: أهو الذي يسرق ويزني؟ قال: لا، هو الذي يصوم، ويتصدق، ويصلي، ويخاف أن لا يقبل منه عمله} ولهذا تجد أن المؤمن الحق: شديد الخوف، ودائم الخوف، كما قال الحسن البصري: [[إن المؤمن جمع إحساناً وخوفاً]] .

أما المنافق أو ضعيف الإيمان فإنه آمن مطمئن، لا يمر هذا الكلام منه بخاطر، ولا يمر منه على بال، لأنه يرى أن الأمر مستقر ولا يدري ما يعرض له في الدنيا [[أما المنافق جمع إساءةً وأمنا]] وقال الحسن مرة أخرى عن النفاق: [[والله ما أمنه إلا منافق، ولا خافه إلا مؤمن]] .

إنه لابد من الالتفات إلى القلب، وزرع الخوف من الله تعالى، والخوف الدائم من المعصية ومن سوء الخاتمة، ومن حبوط العمل، وملء القلب بالأعمال الصالحة، كأعمال القلب، من حب الله، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، وتعظيمه، وطرد كل معاني الرذيلة: كالخوف من المخلوقين، والتعلق بالمخلوقين، والأحقاد، والحسد، والبغضاء، والأمراض القلبية، والإعجاب بالذات، وتقديس الذات، وتقديس الأنا، فلابد من علاج هذه الأمراض، وأن يحرص الإنسان على إصلاح داخله، وليس على التصنع، والتعمل، والتكلف بين الناس بالمظاهر فحسب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015