السبب الرابع: طلب العلم الشرعي

فإن العلم الشرعي من العقيدة الصحيحة المأخوذة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة والتابعين، والتفسير، والحديث، والفقه، وغيره من العلوم الشرعية المفيدة، فإن هذه العلوم: نور في القلب، وانشراح في الصدر، والله تعالى يقول: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124] وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:125] .

إذاًَ: طلب العلم بصدق، وإخلاص، ونية صالحة، وقلب سليم، من أهم أسباب زيادة الإيمان، والإيمان الذي يزيد هو لن ينقص بإذن الله، لأن النقص هو ضد الزيادة، فينبغي أن يسعى الإنسان في زيادة إيمانه عن طريق طلب العلم الشرعي الموصل إلى الله تعالى والدار الآخرة، وإذا لم يزد الإيمان فإنه يخشى عليه من النقصان.

وإن طلب العلم الشرعي للإنسان عصمة عن التقليد الأعمى، وأي انحطاط للإنسان أكثر من أن يلغي عقله، وتفكيره، وإدراكه، وفهمه، ومسئوليته، ليجعل نفسه متابعاً لفلان، فما صوبه صوب، وما خطأه خطأ، وما قاله قال به، وما رده رده، إنَّ هذا إلغاء لإنسانية الإنسان، والله تعالى نعى على من فعل ذلك، وذكر أن هؤلاء كانوا يعذبون في الدار الآخرة، فقال: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيل * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} [الأحزاب:67-68] إنَّ الإنسان مسئول، ومحاسب، ومكلف، وينبغي أن يترك التقليد بقدر ما يستطيع، وأن لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة التي لابد منها، بل يكون عنده بصيرة، وعنده معرفة، وعنده إدراك في الدين، ليس عن طريق التقليد، ولا عن طريق الوراثة من المجتمع، وإنما عن طريق الطلب، والبحث، والتحري، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام لما صلى صلاة الكسوف، ثم خطب الناس، قال بعد ذلك: {إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، فإنه يأتيه ملكان فيسألانه فيقولان له: ما ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فأما المؤمن أو الموقن، فيقول: ربي: الله، وديني: الإسلام، ونبيي: محمد صلى الله عليه وسلم، وأما الكافر أو المنافق -شك الراوي- فيقول: هاه هاه لا أدري! كنت أقول ما يقول الناس} فإذا كان شأنك مجرد ترديد لما قال زيدٌ أو ما قال عبيدٌ، فإنَّ هذا لا ينفعك في القبر، خاصة في مجال الاعتقاد، بل ينبغي أن تأخذ دينك عن بصيرة، ومعرفة، وعلم، ودراسة، وفهم، وأن تأخذ -أيضاً- الأحكام الشرعية ليس عن طريق التقليد بل عن طريق الدليل: قال الله قال رسول الله، كما قال الله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111] .

دعو كل قول عند قول محمد فما آمنٌ في دينه كمخاطر وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، إذا جاء: قال الله قال رسول الله، لا تحتاج إلى كلام أحد بعد ذلك، وما كلام العلماء، والفقهاء، والمصنفين، والمدرسين؛ إلا مجرد إيضاح، وبيان، وشرح لمعاني نصوص القرآن والسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015