فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد عن أبي هريرة أنه قال: {يستجاب لأحدكم ما لم يعجل -كيف يعجل؟ - يقول: دعوت فلم يستجب لي} متفق عليه، فلا ينبغي للعبد أن يستعجل الإجابة، وكل واحد منا يستعجل الإجابة، بل أكثر الناس إن لم يكن كلهم يستعجلون الإجابة، ويستبطئونها إذا تأخرت عليهم.
وهناك وسائل تطمئن قلب الإنسان وتجعله يدعو وهو مطمئن، منها: أن تعلم أن الدعاء عبادة، وأنه من العبادات التي يتوفر فيها الإخلاص والإقبال على الله سبحانه وتعالى، فلو لم يتوفر لك إلأ الأجر والمثوبة من الله عز وجل على دعائك لكفى، فالعبد إذا دعا يكون داعياً بإخلاص فيكتب له أجر وهذا كافٍ، كما أنه إذا صلى يكتب له أجر، فإذا تذكرت ذلك علمت أن الدعاء عبادة فأنت رابح على كل حال.
الأمر الثاني: أن تعلم أن الله عز وجل أعلم بمصلحتك منك، فقد تدعو الله عز وجل بأمر يعلم الله أنه لو أجاب دعاءك وحقق لك ما تريد؛ لكان هذا ضرراً عليك في الدنيا أو في الآخرة، أو يعلم الله تبارك وتعالى بعلمه وحكمته أن من المصلحة لك أن يؤجل إجابتك عن هذه السنة إلى السنة التي تأتي بعدها، أو عشر سنين، أو أكثر، أو أقل، فيعلم الله عز وجل أن مصلحتك في تأجيل الإجابة أو في عدمها، فأنت حينئذٍ تستسلم لما يقع وتعلم أن الله عز وجل أبصر بمصلحتك منك.
فكم من إنسان -مثلاً- يسأل الله زوجةً صالحة، فيبطئ عليه هذا الأمر، وقد يسأل امرأة بعينها أن ييسر الله سبيل الزواج منها، فربما لو حصل هذا الأمر لحصل بينهم من المشاكل والهموم والمتاعب والقضايا الكثيرة المتشابكة ما تجعل حياة الإنسان تتحول إلى نوع من العذاب، حتى يتمنى أنه لم يرها، ويقول لها: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، وقد يقع هذا للإنسان، فقد يدعو الإنسان ربه بتعجيل سفر، قد يكون لطاعة إما لحج أو لعمرة أو لجهاد ليس من الأمور الواجبة على الإنسان لكن من النوافل؛ فلا يتيسر له هذا الأمر، فيعلم بعد ذلك أنه كان الخير فيما اختاره الله عز وجل له.
الأمر الثالث: الذي يعين الإنسان على الصبر وعدم استعجال الإجابة: أن يقدر أن الله عز وجل دفع عنه بهذا الدعاء شراً أو ضراً كان سينزل به لو لم يدعُ؛ فإذا تذكرت أن الله دفع عنك بهذا الدعاء شراً فإنك تستمر في الدعاء.
الأمر الرابع: أن تعلم أن هذا امتحان لصبرك وجلدك وتحملك هل تستمر في هذه العبادة أم تحزن وتستحسر وتترك عند ذلك الدعاء.
الأمر الخامس: أن ينحي الإنسان باللوم على نفسه، تلوم نفسك إذا لم تُجَب، ولذلك يقول الله عز وجل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة:186] فيمكن أن يكون سبب عدم الإجابة وقوعك أنت في بعض المعاصي، أو التقصير، أو الخطأ، أو إخلالك بطريقة الدعاء، أو اعتداؤك فيه، أو ما شابه ذلك، فتعود باللائمة على نفسك، وعَوْدُكَ باللائمة على نفسك من أعظم أسباب الإجابة.
ولذلك يروى في الروايات الإسرائيلية، وهي قصة وإن لم تكن مضبوطة بأسانيد، لكنها من حيث المعنى صحيحة: أن رجلاً كان يدعو الله عز وجل ستين سنة في حاجة، وبعد ستين سنة ما أجاب الله تعالى دعاءه، فنظر هذا الرجل العابد إلى نفسه، وقال: والله يا فلان لو كان فيك خير لأجاب الله دعاءك، ما تركك الله طيلة هذه الستين سنة إلا لأنك لست أهلاً لأن يجاب دعاؤك، فسمع منادياً يقول له: والله لاحتقارك لنفسك في هذه الساعة أحب إلينا من عبادتك ستين سنة.
فأعمال القلوب أعظم من أعمال الجوارح، بل أعمال الجوارح مرهونة ثمرتها وقيمتها وأجرها بأعمال القلوب، فكون الإنسان يكون في قلبه ذل وانكسار، وتواضع وخشوع، ومقت للنفس، وازدراء لها، هذا من أعظم أسباب القربة إلى الله عز وجل، وأوسع باب تدخل فيه على رب العالمين هو باب الذل والانكسار بين يديه جل وعلا، ولا يجوز للإنسان أن ييأس كما قال تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من رجل مسلم يسأل الله عز وجل دعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله عز وجل بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يجيبه، أو يدفع عنه من الشر مثلها، أو يؤخر ويدخر له في الآخرة مثلها، قالوا: يا رسول الله! إذاً نكثر قال: الله عز وجل أكثر} رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وصححه وهو حديث صحيح، فلا يجوز للإنسان أن ييأس من روح الله عز وجل.