يروى أن الربيع بن خثيم، وهو أحد كبار الزهاد العباد، كان رجلاً كلامه معدود، لا يتكلم إلا قليلاً، والناس يحاولون في أي مناسبة أن يمسكوا عليه كلمة، فجاءت مناسبة، قالوا: اليوم يتكلم الربيع، فقد جاء نعي الحسين، رضي الله عنه، وكان قتله عظيماً على المسلمين؛ لأنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يحبه حباً شديداً ويقول: {اللهم أحبه، وأحب من يحبه} وكان يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه، وفي شكله، وكان رجلاً عابداً تقياً زاهداً ورعاً، وكان من الأفراد المعدودين في هذه الأمة، ذلك هو الحسين رضي الله عنه، والصحابة كلهم كانوا يحبونه أكثر مما يحبون أولادهم وإخوانهم، بل وربما أكثر مما يحبون أنفسهم، لشدة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم له، فلما قتل رضي الله عنه أصيب المسلمين ببلية عظمى، حتى قال قائلهم: أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم الحسابِ وقد جاء في حديث ورد عند الحاكم وغيره، عن أم سلمة [[أن النبي صلى الله عليه وسلم نام ثم استيقظ، وهو يبكي، فقالت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما يبكيك؟! قال: أريت مقتل ابني الحسين في نومتي هذه، وأوتي لي بتربة من تربته حمراء]] أي أري عليه السلام في منامه مقتل الحسين، وأري تربة حمراء من تربته التي يهراق فيها دمه الطاهر رضي الله عنه، المهم أنه لما قتل الحسين، أصيب المسلمون بمصيبة فقالوا: الآن سيتكلم الربيع، سيسب من قتلوه، أو يقول قولاً.
فجاءوا إليه وقالوا: يا إمام قتل الحسين، فتأوه تأوهاً عالياً شديداً ثم قال هذه الآية: {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر:46] ما زاد عليها ولم يجدوا عليه ممسكاً ولم يزد على أن قال ونطق بهذه الآية: {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر:46] فلم يرد رحمه الله أن يدخل حكماً بين الحسين وبين خصومه، ووكَّل أمرهم إلى الله عز وجل، الذي تلتقي عنده الخصوم، كما قال الشاعر: إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصومُ