أسباب الاختلاف بين العلماء

إذاً: السبب الأول من أسباب الاختلاف هو: الاختلاف في التكوين الفطري والنفسي والجبلِّي، وفي المزاج الذي ركِّب منه هذا الإنسان، فـ أبو بكر يختلف عن عمر وعن عثمان وعن علي، فكل واحد له تكوين خاص يختلف عن الآخر.

السبب الثاني هو: الاختلاف في التحصيل, أي: قدر ما حصَّله هذا الإنسان من المعرفة والعلم، ومن الفهم والإدراك.

السبب الثالث هو: الاختلاف في الظرف الذي يعيشه هذا الإنسان؛ فإنه قد يعيش شخص ظرفاً معيناً يختلف عن الآخر بحسب تغير الأحوال والظروف، والمجتمعات، والسن، والحرب والسلم، والقوة والضعف، والصحة والمرض، وغير ذلك.

ثم هناك سبب رابع وهو: الهوى الخفي.

والهوى الخفي قلًَّ من يسلم منه، حتى ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله أنه وقع فيه كثير من الأكابر من أهل الفضل والعلم، ومن السابقين من الأئمة والعلماء.

إذاً: يوجد عند الإنسان أحياناً من الهوى الخفي الذي لا يشعر به صاحبه ولا يلام عليه؛ لأن فضل الله تعالى واسع وعظيم، وإن كان على الإنسان أن يراقب نفسه بشكل جيد، لكن يقع للإنسان أحياناً نوع من الهوى الخفي الذي لا يدركه، وقد يحمله على بعض المواقف.

الاختلاف إذاً طبيعي، وهو جزء من الشخصية البشرية، ومن الحياة البشرية، ومن الحكمة الربانية اختلاف التنوع الهائل الضخم الذي بموجبه تعمر هذه الدنيا.

لقد اختلف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهم أنبياء الله ورسله اختلف موسى وهارون: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف:150] .

واختلف موسى والخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي} [الكهف:66] {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} [الكهف:71] {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف:74] {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77] .

واختلف موسى وآدم فقال موسى: (يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بأكلك من الشجرة، فقال له آدم: ألست تجد يا موسى! وأنت الذي كلمك الله واصطفاك برسالته وكلامه أن الله تعالى كتب هذا عليَّ قبل أن يخلقني بكذا وكذا، فحجَّ آدم موسى، فحجَّ آدم موسى) .

والنبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به أيضاً ومرَّ على موسى قال له: (إني جربت الأمم قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك -ومرة وثانية وثالثة وعاشرة- حتى قال: قد راجعت ربي حتى استحييت) .

إذاً هذا الاختلاف وقع حتى بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

أيضاً: اختلف الصحابة رضي الله عنهم في أسرى بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ترون؟ قال عمر رضي الله عنه) وهو الرجل الذي في جبلَّته وطبيعته وتكوينه الفطري أو النفسي الخلقي نوع من القوة والشجاعة والجرأة، حتى كان الشيطان يخاف منه، قال: (والله يا رسول الله! إني أرى أن تمكنني من فلان، وتمكن علي بن أبي طالب من عقيل، وتمكن الباقين من أقاربهم حتى يقتلوهم؛ فإن هذا أول يوم أعزَّ الله فيه الإسلام، فشرِّد بهم من خلفهم، وسأل أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! أهلك وعشيرتك، وأرى أن تستأني بهم لعلَّ الله تعالى أن يهديهم إلى الإسلام -فهوى النبي صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قاله عمر، وقال صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: إن مثلك كمثل إبراهيم: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36] ومثلك يا عمر كمثل نوح: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] أو كمثل موسى: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} [يونس:88] ) المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد القضية إلى نوع من التركيب الذي هو موجود حتى عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

أيضاً تجد الخلاف عند الأئمة، كأئمة الفقه -مثلاً- والتفسير، والحديث، في الأحكام، وفي الحكم على الأحاديث وفي تخريجها، وما أشبه ذلك من ألوان العلوم، فإن هذه الأشياء كلها موجودة وقائمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015