أما ما يتعلق بالناحية السياسية فلعلكم سمعتم الاتفاقيات التي اتفق عليها جميع المجاهدين بما في ذلك الحزب الإسلامي, وليس ثمة حاجة -الآن- إلى التعليق إلا على أمر واحد, وهو أن الجميع فوجئوا بأن صبغة الله مجددي قد أصبح رئيساً لدولة أفغانستان, والكثيرون الكثيرون أصيبوا بخيبة أمل نتيجة لذلك, وهناك أخبار كثيرة تردد أن هناك ضغوطاً دولية وعالمية وعربية، وضغوط دول الجوار كإيران وباكستان من أجل تعيين هذا الرجل؛ بل إن هناك أخباراً أن بعض الأحزاب أعطيت نحو مائة وخمسين مليون دولار من أجل الضغط لتعيين صبغة الله مجددي في رئاسة الدولة, وأعتقد جازماً أن المجاهدين لم يقاتلوا ثلاثة عشر عاماً من أجل تعيين مثل هذا الرجل, الذي ليس له بلاء في الجهاد يذكر, وليس هناك ارتياح على أقل تقدير إلى تصوراته ومعتقداته ونظراته.
والرجل -الآن- بدأ يتصرف بشكل واضح على أنه رئيس للدولة ربما يطول أمده, فقام بمحاولة تعيين بعض السفراء وأعلن عفواً عاماً؛ بل خطب الجمعة، وكان يتحدث عن قضية إمكانية العفو حتى عن كبار المسئولين في الدولة السابقة, وأخشى ما أخشاه ليست قضية أن يظل حاكماً لمدة شهرين فهذا شر، ولكن مهما يكن فإنه يهون بالقياس إلى ما لو تصورنا أن يظل بعد ذلك حاكماً، ويستمر ويتم القضاء على الاتفاقيات الأخرى التي بموجبها يجب أن يتولى برهان الدين رباني -رئيس الجمعية الإسلامية- بعد شهرين رئاسة الدولة.
بل إنني أذهب إلى أبعد من هذا, فأقول: إن العالم الغربي ودول الجوار لأفغانستان وغيرها تسعى جاهدة إلى إبعاد جميع الأطراف الجهادية المعروفة عن أن يكون لها تأثير كبير في الحكم؛ لأنهم يعتبرونهم أصوليين ومتشديين, فـ برهان الدين ليس مقبولاً عند الغرب ولا عند حلفائهم, وسياف ليس مقبولاً عندهم جميعاً, وحكمتيار ليس مقبولاً عندهم, ويونس خالص ليس مقبولاً عندهم؛ ولذلك يجب أن يكون هناك جهود كبيرة لجمع هؤلاء المجاهدين وتوحيد كلمتهم ليكون لهم ثقل في الحكومة حاضراً ومستقبلاً.
فإنني أعتقد أن الخطر الذي يهدد قلب الدين حكمتيار الآن -هو أيضاً- يهدد برهان الدين رباني، وهو خطر يهدد محمد يونس خالص , وهو خطر يهدد عبد رب الرسول سياف , وهو خطر يهدد كل القادة والمجاهدين الذين ثبت لهم خلال المدة الماضية قدر كبير من الجهاد والبلاء.
فينبغي أن يكون هناك جهود تبذل لجمع كلمة هؤلاء الأربعة، ومن كان على مثل ما هم عليه لمحاولة أن يكونوا جبهة واحدة، ويقفوا أمام وجه المؤامرات الدولية التي لن ترضى ببساطة أن يتولى من تسميهم بالأصوليين حكم أفغانستان.
ولهذا يتساءل الكثير من الناس عن الطريقة التي تم بها تسليم الحكومة, فإن تسليم الحكومة قد تم بصورة نظامية؛ حيث أقيم حفل وجاء عبد الوكيل ومحمد نبي عظيمي وبعض الذين كانوا من الحكومة السابقة, وتكلموا ثم قالوا: الآن نقوم بتسليم الحكومة إلى مجددي، فكان هناك احتفال لنقل السلطة, وكأن المسألة مسألة نقل وليست مسألة نصر للمجاهدين, وكذلك المسلمون يتعجبون كثيراً من هذا الاعتراف المتسارع بدولة أفغانستان, من قبل أمريكا وروسيا ودول عربية وغير عربية لم يكونوا مخلصين للمجاهدين ولا حريصين على انتصارهم.
فلذلك أقول: يجب أن تبذل المزيد من الجهود.
وهناك سؤال يفرض نفسه: هل أفلح المسلمون في إيصال مشاعرهم إلى المجاهدين الأفغان؟! وهذا سؤال كبير! إن الغرب استطاع أن يوصل كل ما في ذهنه وما يريد إلى المجاهدين الأفغان من خلال وسائل الإعلام التي تخدمه, فأصبح الغرب -مثلاً- إذا أراد أن يبرز شخصاً ركز الأضواء عليه، وإذا أراد أن يقضي على شخص فإنه يتحدث عنه, على أنه أصولي ومتطرف ومعاند وخطير، وأنه دموي إلى غير ذلك؛ حتى إني قرأت في مجلة الشرق الأوسط تقريراً عن حكمتيار , يقول: "إنه رجل دموي"، وأنه يقول: لا بد من الدم، وأنه أعد قائمة بستة عشر ألف شخص يريد أن يعدمهم في أفغانستان!! وكلام من هذا القبيل ليس له زمام ولا خطام.
فالغرب إذا أحب شخصاً ورأى أنه أصلح له, فإنه يبرزه ويلمعه ويلقي عليه الأضواء, وإذا تخوف من شخص أو شعر أنه لا يخدم مصالحه فإنه يحاول أن يحصره في زاوية ضيقة, وهذا له تأثير كبير على نفسيات المجاهدين -عامتهم وخاصتهم- بلا شك، لكن المسلمين -أعتقد أنهم- لم يفلحوا في إيصال مشاعرهم الحقيقية وتمنياتهم وتطلعاتهم إلى المجاهدين, كم عدد العلماء الذين ذهبوا إلى أفغانستان؟! لقد سمعت -وهذا أمر يسر- أن الأستاذ الشيخ محمد قطب -وفقه الله تعالى وبارك فيه- قد ذهب إلى هناك, والتقى بالمجاهدين لقاءً طويلاً, وتحدث معهم حتى قال لي أحد الإخوة وكان حاضراً: إن الرجل تأثر وبكى وأبكى، وكان لوجوده تأثير كبير في نفسيات المجاهدين, ولكن هذا لا يكفي فكان ينبغي أن يحمل كل إنسان قادر على عاتقه عبء إيصال شيء من المشاعر الإسلامية إلى المجاهدين.
إن المجاهدين يريدون اجتماع الكلمة, وهم لا يريدون أن تتكرر بعض الأخطاء السابقة, إلى غير ذلك من الأشياء التي كان لها ولا بد -لو حصلت- تأثير كبير في أي قرار يمكن أن يتخذه المجاهدون, خاصة وهم -الآن- على مفرق طرق وفي البداية، ودائماًَ البدايات تؤثر تأثيراً كبيراً.
إننا ننادي أولاً: قادة الجهاد -خاصة الذين أشرت إليهم- إلى ضرورة اجتماع كلمتهم, وأن يكونوا صفاً ضد المؤامرات الغربية وغيرها، كما ننادي المسلمين وعلماءهم ودعاتهم ومخلصيهم وغيوريهم والقادرين وأصدقاء الجهاد الأفغاني إلى أن يوصلوا صوتهم ورأيهم إلى المجاهدين هناك, ويطالبوا بالوفاء للمبادئ التي جاهد من أجلها المجاهدون, وقتل من أجلها أعداد غفيرة من الناس في سوح الجهاد, وبذل من أجلها ما بذل من المسلمين، ليس من أفغانستان فحسب؛ بل في أنحاء العالم الإسلامي.
فإن الوفاء لهذا الجهاد من ألزم الواجبات, وأهم الضرورات.