السبب الرابع: استحياء الإنسان أن يضع نفسه في مقابلة المخطئ وقد قال بعض الحكماء: احتمال السفيه خير من التحلي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خير من مشاكلته.
وهكذا قال لقيط بن زرارة وهو من حكماء وشعراء العرب، قال: وقل لبني سعد فمالي ومالكم ترقون مني ما استطعتم وأعتق لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف وقد ردوه شر رد، حتى إنه لم يفق إلا وهو بقرن الثعالب، فجاءه ملك الجبال وقال: (مرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، قال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئاً) .
أيها الأخ الحبيب! إن هذه العضلة التي في صدرك وهي القلب، هذه العضلة مهمة جداً، وقابلة للتدريب والتمرين، فمرِّن عضلة القلب على كثرة التسامح، والتنازل عن الحقوق، وعدم الإمساك بحظ النفس، وجرِّب قلبك أن تملأه بالمحبة، فلو استطعت أن تحب المسلمين جميعاً فلن تشعر أن قلبك ضاق بهم، بل سوف تشعر بأنه يتسع كلما وفد عليه ضيف جديد، وأن يسع الناس كلهم لو استحقوا هذه المحبة، فمرِّن عضلات قلبك على التسامح، وفي كل ليلة -وهذه نصيحتي لإخوتي- قبل أن تخلد إلى النوم وتسلم عينيك لنومة هادئةٍ لذيذةٍ؛ سامح كل الذين أخطئوا عليك، وكل الذين ظلموك، وكل الذين حاربوك، وكل الذين قصروا في حقك، وكل الذين نسوا جميلك، بل وأكثر من ذلك؛ انهمك في دعاء صادق لله سبحانه وتعالى أن يغفر لهم، وأن يصلح شأنهم، وأن يوفقهم، ستجد أنك أنت الرابح الأكبر من مثل هذا، وجرِّب أيضاً أنه كما تغسل وجهك ويدك بالماء في اليوم الواحد بضع مرات، أو أكثر من عشر مرات؛ لأنك ستواجه به الناس، فإن هذا القلب هو محل نظر الرب تبارك وتعالى: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) وفي لفظ: (وأعمالكم) هذا القلب الذي ينظر إليه الرب تبارك وتعالى من فوق سبع سماوات، احرص على ألا يرى فيه ربك تبارك وتعالى إلا الأشياء الطيبة، وكل ما يكره الله تعالى في هذا القلب تقوم بكنسه كنساً وترمي به -مع شديد الاحترام- في أقرب زبالة.
صحِّح هذا القلب اغسل هذا القلب تعاهده بشكل يومي؛ لئلا تتراكم فيه الأحقاد والكراهية والبغضاء، والذكريات المريرة التي تكون أغلالاً وقيوداً تمنعك من الانطلاق، ومن المسير ومن العمل، ومن أن تستمتع بنومك وشربك وأكلك ويقظتك ومعايشتك لأهلك ومعاشرتك لهم، وجلوسك مع أطفالك، وقيامك بعملك تخلَّص من هذه الأشياء التي لا فائدة منها.