إن المسلم يؤمن بالأسباب المادية ولا شك، ولكنه لا يعتمد عليها وحدها، بل يجعل هناك مجالاً للتوكل على الله تعالى والتعويل على قدره، وتفويض الأمر إليه، وهذه كلها تعتبر أيضاً من الأسباب الشرعية، كما أن الأسباب عنده ليست هي الأسباب المباشرة فحسب.
فمثلاً: الدعاء من الأسباب، والاستنصار بالله تعالى من الأسباب، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر، لقد كان في العريش يرفع يديه إلى السماء، ويقول: {اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم حتى سقط رداؤه عن منكبيه صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر والتزمه من خلفه، ووضع رداءه على كتفيه، وقال: يا رسول الله! كفاك مناشدتك ربك، فإن الله تعالى منجز لك ما وعد} ولما رأوا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤاله ورغبته إلى الله تعالى علموا علم اليقين أنهم منصورون، وأن الله تعالى لا يخلف وعده، وسوف ينجز لنبيه صلى الله عليه وسلم ما وعد، وهكذا كان، فدارت الدائرة على المشركين، وانتصر المسلمون في تلك المعركة الحاسمة التي غيرت وجه التاريخ، وكان عدد المسلمين أقل من ثلث عدد المشركين، وكان المسلمون لا يملكون من الخيل والسلاح إلا القليل.
إذا جلجلت الله أكبر في الوغى تخاذلت الأصوات عن ذلك النِّدا هناك التقى الجمعان، جمع يقوده غرور أبي جهل كهِرٍ تأسَّدا وجمع عليه من هداه مهابة وحاديه بالآيات والصبر قد حدا وشمَّر خير الخلق عن ساعد الفدا وهز على رأس الطغاة المهنَّدا وجبريل في الأفقِ القريبِ مكبرٌ ليلقي الوَنَىَ والرعب في أنفس العدا وسرعان ما فرت قريش بجمعها وعافت أبا جهل هناك موسدا ينوء بها ثقل الغرام وهمُّه وتجرحها أسراً تريد لها الفدا وأنف أبي جهل تمرغ في الثرى وداسته أقدام الحفاة بما اعتدى ومن خاصم الرحمن خابت جهوده وضاعت مساعيه وأتعابه سدى وكيف يقوم الظلم في وجه شرعةٍ تسامت على كل الشرائع مقصدا سماوية الأغراض ساوت بنهجها جميع بني الدنيا مسوداً وسيدا فما فضلت قوماً لتحقر غيرهم ولا جحدت حقاً ولا أنكرت يدا تريد الهدى للناس والناس دأبهم يعادون من يدعو إلى الخير والهدى