هناك حقيقة قرآنية عظيمة ذكرها الله تعالى في كتابه في مواضع عدة، وأثبتتها لنا الأحداث التاريخية، والوقائع القائمة اليوم فصارت في حس المسلم المطلع من المشهودات بعد أن كانت من الغيبيات، هذه الحقيقة تبين في قوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] هذه الآية التي فيها وعد من الله تعالى بالنصر لمن نصروه، وأقاموا دينه، والتزموا بأمره وابتعدوا عن نهيه.
ومثله أيضاً قول الله عز وجل: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] فذكر الله تعالى أنه ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا، فضلاً عن النصر الأكبر يوم القيامة، ونصرهم في الحياة الدنيا يكون بصور كثيرة منها: 1- النصر الحقيقي المباشر وهزيمة أعدائهم.
2- منها: إظهار الحق الذي يحملون.
3- ومنها: أن الله تعالى يمنحهم الصبر والثبات على دينهم، وعقيدتهم، وما يقولون، وما يدينون به، فيظلون صابرين كما صبر أصحاب الأخدود الذين عذبوا وأوذوا، وأحرقوا بالنار، فظلوا صامدين على مذهبهم ودينهم، وعقيدتهم، وذكرهم الله تعالى في كتابه في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج:1] .
ومثله قوله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] فإن هذه الآية صريحة في أن الله تعالى ينصر الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فجعل النصر معلقاً بشرط مستقبلي لا يعلمه إلا الله، فلا نستطيع مثلاً أن نؤكد أن هؤلاء المجاهدين، أو أن هؤلاء المقاتلين إن نصروا ثبتوا، وقاموا بشريعة الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فكم من فئة أو طائفة قاتلت معلنة راية الدين، وأنها تجاهد في سبيل الله، فلما رزقها الله تعالى النصر نكلت عما كانت تدعو إليه، وغيرت وبدلت، وانحرفت عن منهجها وشريعة ربها.
ولهذا قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] ثم قال {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:41] فإذا رأيت مقاتلاً في سبيل الله رافعاً راية الدين، ومع ذلك هو لا ينصر فتذكر هذه الآية، فلعله لو نصر لغير وبدل، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41] وقال الله تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] .