صحة وصدق الإيمان بالله والدار الآخرة

وإذا كانت مسألة العفة عن الحرام كما ذكرنا، وتجنب الشهوات والمعاصي والموبقات، أو اللذات الممنوعة، إذا كانت هذه مثالاً استوحيناه من الآية الكريمة في قصة طالوت وجالوت، حيث كان أولئك الذين رفضوا أن يشربوا من الماء هم الصابرين المنتصرين، فإن ثمة معاني أخرى كثيرة ذات تأثير كبير في تحديد مسار المعركة مع الباطل.

منها مثلاً: صحة وصدق الإيمان بالله عز وجل والدار الآخرة، وما وعد الله تعالى المؤمنين والمتقين والصابرين، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] فإذا كان الناس يعيشون في هذه الدنيا ويقيسون أمورهم بالجدوى الدنيوية، فإن المؤمن الصادق يقيس ذلك بالجدوى الأخروية.

وهذا هو سر البسالة التاريخية للمسلمين الذين ضربوا في المعارك أروع الأمثلة، لأنهم يدركون أن ثمة داراً أخرى، وقد بَعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم كنموذج مجموعة من أصحابه للدعوة إلى الله تعالى فدخل أحدهم على عامر بن الطفيل، ودعاه إلى الله تعالى وأمره بالمعروف، ونهاه عن المنكر، وأمره بالإيمان بالله ورسله، وكان عامر بن الطفيل طاغية مستكبراً، فأشار إلى رجل من ورائه فطعنه بالخنجر في بطنه، ثم جر السكين إلى سرته بل أسفل من ذلك، وظنوا أنهم بذلك صنعوا له شيئاً عظيماً، فاستقبل هذا الصحابي الجليل الدم النازف منه بغزارة بيديه، ثم صبه على رأسه ووجهه وصدره، وهو يقول: [الله أكبر! فزتُ ورب الكعبة] واسم هذا الصحابي: هو حرام بن ملحان رضي الله عنه وأرضاه، فاز بماذا؟ وقد ترك أزواجه، وترك أولاده، وترك أمواله، وترك الدنيا وراء ظهره؛ لقد فاز برضوان الله تعالى فاز بالشهادة، وقالها صادقاً؛ لأن موقف الموت ليس فيه إلا الصدق الخالص، قالها بصدق، بحرارة الإيمان، وبفرحة لقاء الله عز وجل [[فزتُ ورب الكعبة]] .

إن الناس يقيسون أمورهم بالدنيا، أما المؤمن فإنه يقيس ذلك بالجدوى الأخروية، وهو لا يمكن أن يعيش في الدنيا وأن يغفل عن الدار الآخرة، قال تعالى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:46] نِعْمَ ذكرى الدار الآخرة، وأن تكون لهم في حساب ومن قلوبهم ونظرهم على بال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015