التوبة والاستغفار من كل الذنوب

ومن الأسباب أو الوسائل المتعلقة بالموقف الصحيح، قضية التوبة والاستغفار، فإن الاستغفار من أسباب دفع العذاب والبلاء، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] فالذين يستغفرون الله تعالى بصدق، يرفع الله عنهم العذاب، بسبب صدق استغفارهم.

فينبغي أن نكثر من قول: (استغفر الله، سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، لا إله إلا أنت ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ومن ذلك سيد الاستغفار المعروف: {اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر كما صنعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} وكما قال نوح عليه السلام: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10-12] ومع الاستغفار لابد من التوبة، فإن العبد لا يسعه أن يستغفر، وهو مصر على ذنبه مقيم عليه، فلابد من التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وما أدراك ما هي الذنوب والمعاصي؟! إذا سمعت هذه الكلمة، ظن الناس أن الذنوب والمعاصي هي فقط الذنوب الظاهرة الفردية، ولا شك أن كل الذنوب يجب التوبة منها، فهي أن يتوب الإنسان من كل ذنب.

فيتوب من أكل الربا، ويتوب من أكل الحرام، ويتوب من سماع الغناء، ويتوب من كل معصية لله عز وجل، ويتوب من ترك الجماعة أو ترك الصلاة، وخاصة صلاة الفجر، ويتوب عن عقوق الوالدين، ويتوب من كل ذنب.

لكن أيضاً هناك ذنوب عامة، يجب أن نتوب إلى الله عز وجل منها، وهي ذنوب قد ابتليت بها الأمة كلها -فمثلاً- من هذه الذنوب التي يجب التوبة منها وعدم الإصرار عليها: التخلف، فالتخلف ذنب، فكون الأمة الإسلامية تعتمد على عدوها في كل شيء، حتى في الإبرة التي تخيط بها الثياب، هذا تخلف!! تخلف صناعي، وهو ذنبُ تحاسب عليه الأمة، وتأثم به، خاصة القادرين على ذلك، فنتوب إلى الله تعالى من التخلف، سواء كان تخلفاً اقتصادياً، أم تخلفاً صناعياً، أم تخلفا سياسياً، أم تخلفاً علمياً، في أي مجال من مجالات الحياة.

كيف نتوب؟! نتوب بأن نعقد العزم على أن نصحح وضعنا، وأن نبدأ بداية صحيحة في الوصول إلى التقنية التي تحتاجها الأمة، والتقدم العلمي في كل مجالات الحياة بحيث تظل الأمة الإسلامية هي الأمة القائدة الرائدة، وليست أمة تأخذ عن الآخرين، وتقلد غيرها من الشعوب، مع أن هذه الأمة لا ينقصها شيء، فأعظم ثروات الدنيا عندنا و (70%) من نفط العالم هو في هذه البلاد، فهي كما يقال: تعوم فوق حقل من النفط، ولا ينقصنا المال والثروة، ولا ينقصنا العدد البشري، فإن هذه الأمة الإسلامية هي في المرتبة الثانية، في عدد أفراد الديانات في العالم، وأكثر من خمس سكان الكرة الأرضية من المسلمين، ولا ينقصنا القدرات البشرية العقلية، فإن عندنا علماء ومفكرين ومختصين، ولكنهم مع الأسف في جامعات الغرب يعملون، وفي مراكز الأبحاث هناك يشتغلون, وقد استفاد الغرب من خبراتهم وإمكانياتهم، لكننا نحتاج إلى خطة حقيقية واضحة، تضمن لهذه الأمة أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً من هذا التخلف الذي ظل يخيم عليها عشرات السنين.

فهذه من الذنوب.

ومن الذنوب أيضاً الركون إلى العدو، والله عز وجل يقول: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113] .

فإن ثقتنا بعدونا، واعتمادنا عليه، وطاعتنا للكافرين في كثير من أمور الحياة هي التي أوردتنا الموارد، وأوصلتنا إلى هذه المهالك التي نعيش فيها الآن، والله عز وجل يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:1] وبين عز وجل أن طاعة الكافرين دمار في الدنيا والآخرة، وأن من أطاع الذين كفروا، أو فئة من الذين كفروا، ردوه على أعقابه خاسراً كافراً والعياذ بالله.

فلا يجوز للمسلم أن يطيع الكافرين في هذه الأمور، بل ينبغي أن نعلم عداوتهم لنا ولديننا، وأن نعصيهم في هذه القضايا، وأن نطيع الله سبحانه وتعالى ورسوله، وأن نطيع الناصحين، فليس صحيحاً أن تثق بالكافر ولا تثق بالمسلم، على أي مستوى، الآن نفترض أن عندك مؤسسة في عمل، فتجد أن بعض أصحاب المؤسسات يقول: لا آتي بعمال مسلمين، فنقول له لماذا؟ يقول: لأنهم خونة!! فيأتي بكفار والعياذ بالله نقول له: كيف تثق بالكافر، ولا تثق بالمسلم؟! وهكذا الحال بالنسبة للشعوب الإسلامية، كثيرٌ من حكامها لا يثقون بشعوبهم، ويخافون منها، ومع ذلك يثقون بعدوهم، كيف تثق بعدوك ولا تثق بصديقك؟! هذه أيضاً من المعاصي التي يجب أن يتاب إلى الله عز وجل منها، فإن المسلم مهما كان أقربُ لك من غيره، ومهما كان عنده من التقصير والنقص والمعصية والخطأ، فمهما كان فالمسلم خير من غيره، وكما قال الله عز وجل: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] هذا حكم الله عز وجل في كتابه يتلى إلى يوم القيامة.

ومن الذنوب والمعاصي التي يجب أن نتوب إلى الله منها، إيثار المصالح على المبادئ، فكثيرٌ منا -أفراداً وجماعات ودولاً وحكومات- نؤثر مصالحنا على مبادئنا، وهذا خطأ كبير، فالأصل أن المبادئ هي التي تسيرنا، فالدين هو الذي يحكمنا في الدقيق والجليل، والمصالح تأتي تبعاً لذلك، وما كان مصلحة للدين، فهو مصلحة للدنيا، فليست علاقتنا مع الناس القريب والبعيد، وأمورنا كلها، مبنية على مصالح تتقلب وتتغير أبداً، فعندنا مبادئ وأسس وأصول وقواعد ثابتة واضحة لا تتغير، والمصالح تأتي تبعاً لذلك، ولا يمكن أن نقدم المصلحة على العقيدة أو على الدين أو على قواعد شرعية ثابتة مطردة، وليس صحيحاً أن نتلاعب بالمثل والأصول والدين بحجة أننا نبحث عن مصالح معينة، فكل هذه ذنوب يجب أن يتاب إلى الله منها، وأن نصحح معنى المعصية في نفوسنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015