تصحيح العقيدة

أمر سابع: لابد من تصحيح العقيدة في النفوس، وهذا من الواجبات الضرورية التي ينبغي أن نسارع إليها، خاصة في مثل هذه الظروف، لأن العقيدة أصابها منذ زمن ما أصابها، وفي هذه الأحداث خاصة ظهر للعيان أن كثيراً من الناس لا يملكون من العقيدة إلا رسوماً حائلة وأثاراً قليلة، فمثلاً قضية التوكل على الله عز وجل غابت من نفوس الكثيرين مع أنها أمر اعتنى القرآن الكريم ببيانه أتم عناية قال الله عز وجل: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم:12] وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المائدة:11] {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] وقال: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [يونس:85] وقال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود:123] وقال: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] .

إذاً التوكل على الله عز وجل هو من أعظم العدد التي نواجه بها عدونا، أن نثبت ونتوكل على الله عز وجل ونعلم أن التدبير الحقيقي في السماء، وليس في أروقة الأمم المتحدة، ولا في الكونجرس، ولا في الكنيست، ولا في أي مكان، إن التدبير الحقيقي في السماء، وأن هؤلاء البشر ما هم إلا أدوات هزيلة وضعيفة، يحقق الله بهم من قدره ما شاء.

ويا أخي الحبيب: اقرأ القرآن بروح، فاقرأ قول الله عز وجل لما ذكر قصة صالح فقال: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50] وإن كل ما تسمع من الإذاعات، وتقرأ في الصحف والتقارير، والتحاليل الإخبارية، وكل هذه الأشياء داخلة تحت قول الله تعالى: {ومَكَرُوا مَكْراً} [النمل:50] فهذا مكرهم، لكن كثيراً من الناس غاب عنهم قول الله تعالى: {وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:50] الكفار لا يشعرون، هذا أمر طبيعي وهذا شأنهم؛ لأنهم غاب عنهم استحضار عظمة الله والإيمان والتوكل عليه، فلذلك هم لا يشعرون، ويظنون الأوراق كلها في أيديهم، وأن القرار الأخير عندهم، فهم لا يشعرون، كما وصفهم الله، لكن الله عز وجل خاطب المؤمن بقوله: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:51-52] وقال أيضاً: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:15-17] .

إذاً لا تعتبر بمكر الكافرين، من البعثيين واليهود والنصارى والشيوعيين، والحلفاء في شرق البلاد وغربها، واعتبر مكر الله عز وجل وتوكل على الله كما قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:217-220] وثق بأن الأمر كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3] يعني: كافيه ومنقذه وحاميه وناصره، ومن كان الله عز وجل حسبه فلا يضيره أن تجتمع الدنيا كلها عليه.

أيها الإخوة: يجب أن نجعل الأسباب أسباباً فقط، ولا تتعدى الأسباب إلى أن نتوكل على الأسباب، ونؤمن أنها هي أول شيء وآخر شيء، لا! هناك أسئلة كثيرة، كما أتوقع تتعلق بالموضوع الذي ذكرته، قبل قليل وهي قضية الأسباب التي تذاع الآن، والتي تتخذ على مستوى الفرد.

هذه الأشياء كلها مادامت أسباباً فلا إشكال، لكن هناك فرقاً بين مذعور فزع، ويظن أن القضية تنتهي عند هذه الأسباب، وكل همه أنه عكف على الإذاعات والأخبار، ماذا ينتهي عنه الاجتماع الفلاني؟ وماذا ينتهي عنه القرار الفلاني؟ ويظن أن القضية تنتهي عند هذا الحد، وبين مؤمن موصول بالله عز وجل فهو واثق بأن الله تعالى يدبر خيراً لهذا الدين، وأن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع الصبر، وأن من يتوكل على الله فهو حسبه، وأن الله ينصر أولياءه، ورسله، وعباده، في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.

فيكون في قلبه يقين وطمأنينة، ولذلك يذكر محمد إقبال في وصفه للمؤمنين: المؤمنون على عناية ربهم يتوكلون لا خوف يرهبهم ولا هم في الحوادث يحزنون لو مر واحدهم هم على فرعون يجتز الرءوسا لأراك في الإفصاح هاروناً وفي الإقدام موسى أي: أن المسلم في فصاحته كهارون، وفي إقدامه وشجاعته كموسى، وإن كان الذي أمامه كفرعون، فلابد من التوكل على الله عز وجل، وهذه الأسباب إن اتخذها وفعلها ما دامت أسباباً حقيقية وصحيحة، فلا حرج عليه، وإن ترك هذه الأسباب؛ لأنه يظن أنه لا حاجة لها بحسب اجتهاده، فلا حرج عليه أيضاً، أما الأسباب العامة التي تحتاجها الأمة من التعبئة والتجنيد والتدريب وبناء أمة مجاهدة ورفع معنويات الناس فهذا كله لا شك أنه من أهم الواجبات، ومع ذلك فلابد للأمة من التوكل على الله عز وجل.

ولم تكن قوتنا في يوم من الأيام كقوة عدونا، وما حاربنا عدونا في يوم من الأيام بقوتنا أبداً، إنما حاربناه بقوة الله عز وجل قال تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ويوم أن نعتمد على قوتنا، فضلاً على قوة غيرنا، فإن الله -تعالى- يتخلى عنا كما قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25] .

ومن الموضوعات المتعلقة بموضوع تصحيح العقيدة أيضاً، قضية الإيمان بالقضاء والقدر: فهذا وقت الإيمان بالقضاء والقدر وهذه حاجته.

والمؤسف أيها الأحبة أن كثيرا من المسلمين الذين مُسخ الإسلام في قلوبهم وعقولهم، إذا وقع الواحد منهم في معصية قال: قضاء وقدر، هذا في الماضي، أما إذا جاء وقت الحاجة فعلاً إلى الإيمان بالقضاء والقدر، نسي القضاء والقدر، فيحتج به في غير محله، وينساه في محله، والواجب أنك الآن يظهر صدق إيمانك بالقضاء والقدر.

فأنت تعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس في وصيته المعروفة: {أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف} أتؤمن بهذا؟ نعم تؤمن، وكما قال الله عز وجل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] تؤمن بأن الآجال مضروبة ومكتوبة، وأن الإنسان إذا جاء أجله لا يمكن أن يستقدم ساعة، ولا يستأخر ساعة، بل ولا لحظة، ولا ثانية، ولا أقل من ذلك قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل:61] وقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61] وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:49-50] وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] .

إلى غير ذلك من النصوص، التي تبين أن كل شيء عند الله مكتوب وموزون ومقدر بصفته ووقته ومكانه، فلا يتقدم ولا يتأخر ولا يتغير، ولا يزيد ولا ينقص.

فهذا لا يمنع الإنسان من فعل السبب، لكن يجعل في قلبه يقيناً، وروحاً وإيماناً وصبراً وثقةً.

فهذا الهلع والفزع يزول، وعلى الإنسان أن يفعل السبب ولا يبالي، بل كثير من الناس المؤمنين يفعل السبب امتثالاً للشرع، وهو لا يريد أن يفعله؛ لكن يفعله من باب الامتثال لأمر الله عز وجل بفعل الأسباب، وقد يترك السبب توكلاً على الله عز وجل، وقد جاء في حديث عمران بن حصين في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذكر من هذه الأمة سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ولما سئل عنهم قال عليه الصلاة والسلام: {هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون} فينبغي أن يكون عندك إيمان بقضاء الله وقدره، وأن كل شيء مكتوب ومقدر، وأن من يهرب من بلد قد يهرب إلى الموت، فقد يهرب الإنسان إلى الموت وهو يفر من الموت.

ومن أهم العقائد التي أصابها ما أصابها في هذا الوقت عقيدة: الولاء والبراء التي مسخت والعياذ بالله من عقول كثير من الناس، وغاب عنهم التفريق بين المؤمن والكافر، فأصبحت تسمع أحياناً الثناء على الكافرين، وتسمع الحط من المؤمنين والمسلمين، وهذه مصيبة كبرى لأن الولاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هو للمؤمنين.

والبراءة هي من الكافرين والمنافقين، كما في آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل حيث قال: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] وقال: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:1] .

والمؤسف أن كثيراً من المسلمين اليوم، أصبحوا يمتدحون رءوس الكفر وطواغيته ورءوس الضلالة والفجور، ويثنون عليهم، لا أقول في أجهزة الإعلام فحسب، فإننا نسمع في أجهزة الإعلام أموراً مفزعة ومفضعة، حتى إننا نقرأ عن رئيس الولايات المتحدة -مثلاً- التعبير عنه بأنه أكبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015