هناك أمثلة كثيرة من حياه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أكتفي بنماذج سريعة منها، تدل على أن كل فرد منهم، حتى صبيانهم كانوا يشعرون بنوع من الارتباط بقضايا الإسلام، وأنهم لا بد أن يشاركوا فيها بوجه أو بآخر.
فكم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حضروا المعارك وقاتلوا، وهم دون الحلم، كان بعضهم أبناء عشر وإحدى عشرة سنة، ومع ذلك كانوا يحملون السلاح، ويخوضون المعارك، وما خبر معاذ ومعوذ ابني عفراء عنا ببعيد، وهو خبر معروف في الصحيحين، ومثل عبيد بن أبي وقاص، وغيرهم كثير، أما أبناء أربع عشرة، وخمس عشرة، فحدث ولا حرج.
وكان الواحد منهم إذا رده الرسول عليه الصلاة والسلام عن المعركة لصغر سنه، كان يرجع إلى أمه يبكي وكأنه منع من أن يخرج في رحلة ممتعة مع زملائه وأقرانه، حتى استقبالهم للرسول عليه الصلاة والسلام لما جاء مهاجراً عليه الصلاة والسلام من مكة، كان الأنصار يخرجون من كبار السن من الشيوخ، وحتى الأطفال ينتظرون مقدم النبي صلى الله عليه وسلم خارج المدينة، حتى إذا ارتفع النهار، واشتدت الشمس ولم يأت قطعوا الأمل من مجيئه، رجعوا إلى بيوتهم وهكذا، وحتى لما كان النبي عليه الصلاة والسلام يقدم من إحدى المعارك، كان الصبيان الصغار يستقبلون الرسول عليه الصلاة والسلام بالأهازيج، والأناشيد، التي يعبرون بها عن حبهم له، وفرحهم بمقدمه، وقصيدة طلع البدر علينا المشهورة، كانوا يقولونها عند مقدمه صلى الله عليه وسلم من تبوك: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع حتى الصبيان كانوا يرددونها، وحتى النساء كانت تتباشر، وتتخابر بمقدم النبي عليه الصلاة والسلام سواء في حادثة الهجرة، أم في غير حادثة الهجرة، بل إنك تجد أدواراً بارزة لصغار السن، قد لا يقوم بها الكبار، وما دور أسماء بنت أبي بكر في نقل الطعام للرسول صلى الله عليه وسلم حين كان في الغار هو وأبوها؛ ما هو بخافٍ على أحد.