أمثلة لما بعد الصحابة

بل لقد حفظ لنا التاريخ أشياء أشبه ما تكون بالأعاجيب، حتى إنني أذكر أنني قرأت في ترجمة، أو في تاريخ نور الدين محمود أنه قام يوماً من الأيام فخطب على المنبر، ودعا الناس إلى الجهاد ضد الصليبيين، فخرج الناس إلى بيوتهم، وربما كان منهم من يقول مثل ما نقول اليوم: لا شأن لنا بالموضوع!! وكانت امرأة تسمع الخطبة فتأثرت وبكت وانفعلت، ثم رجعت إلى بيتها، فبدأت تحاسب نفسها، وتقول: ما هو الدور الذي يجب أن أعمله؟ فكرت وقدرت، فرأت أنها لا تملك شيئاً، تقول الرواية والقصة: فلم تجد إلا أنها قطعت جديلتها (أي: شعر رأسها وضفيرتها) وبعثت بها إلى الأمير، وقالت له: إني لا أملك إلا هذه فضعها لفرسك، أو لفرس أحد جنودك، وبغض النظر عن كون تصرف المرأة خطأً أم صواباً، نحن لا نصوب هذا العمل الآن، لكنني أقول: المهم هو الفكرة نفسها، هو أن امرأة شعرت بأنها يجب أن تصنع شيئاً، وحينئذ تتفتق الحيلة عن أسباب ووسائل وطرق لم تكن تخطر على بال.

فربما أنا، وأنت، والثاني، والثالث نعجز عن ذكرها، لكن لو أن الأمة فكرت كلها، وكل فرد فيها فكر ماذا يجب أن أعمل؟ لكان عندنا مليون أو عشرة ملايين أو مائة مليون عقل كلها تفكر في أمر واحد، ولابد أن تخرج بنتائج مما لا تخطر على بال أحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015