هل نحن نلوم الأمة بهذا الكلام؟ نعم، لا شك نلوم الأمة، ولكنني أقول: مع لوم الأمة فإننا لا نشك في أن هذا الواقع الذي صرنا إليه، إنما هو نتاج جهود كبيرة من غيرنا، ممن حاولوا أن يقولوا لنا: دعوا التفكير في قضايا الأمة لغيركم، ولا تتدخلوا فيما لا يعنيكم، ويكفيكم أن تأكلوا وتشربوا، وتنعموا بالملبس والمأكل والمركب والمسكن، وبعد ذلك دعوا القيادة ودعوا التفكير في أمور الأمة، ودعوا النظر في قضاياها لغيركم، واعتبروا هذا الأمر شيئاً من تدخل الإنسان فيما لا يعنيه، فقضايا الأمة مهمشة، والأمة معزولة عن قضاياها، حتى القضايا الكبيرة الخطيرة!! أيها الإخوة: أرأيتم يوم دخلت الأمة الإسلامية، بل لا أقول: الأمة الإسلامية بل وإنما دخلت الأمة العربية، أو دخلت بعض الدول العربية الحرب مع إسرائيل عام (1956م) و (1967م) وغيرها، هل دخلتها باسم الإسلام؟! هل شعرت الأمة بأن المعركة معركتها؟! أبدا دخلت باسم العروبة، وكانت بعض الإذاعات العربية بدلاً من أن تعلن التوبة، والرجوع إلى الله عز وجل تقول عن طائرتها الميراج: ميراج علت واعتلت في الجو تتحدى القدر كأنها تتحدى الله عز وجل، في الوقت الذي هي أحوج ما تكون فيه إلى نصر الله عز وجل، وإلى عونه عز وجل، وإلى أن تكون مشاعر المسلمين معها، فكانت تعلن مثل هذا الكلام الكافر الفاجر.
فالأمة ذات اهتمامات مهمشة ومعزولة عن قضاياها الكبيرة، فضلاً عن القضايا الصغيرة، ومشغولة بمثل هذه الأمور -التي أشرت إليها- ولا شك أن المسئولية الحقيقية في الإسلام هي مسئولية الجميع، حتى الأتباع يسألون، وأنت حين تقرأ القرآن الكريم تجد قول الله عز وجل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166-167] ويقول: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:47-48] وفي الآية الأخرى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21] ويقول الله عز وجل حكاية لكلام أهل النار: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُم لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:67-68] وكذلك يقول الله عز وجل عن فرعون وقومه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِين فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف:54-55] ويقول سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} [الأنعام:129] .
إذاً: ليس صحيحاً أبداً أن الإنسان غير مسئول، أو لا علاقة له بالأمر، أو لا دخل له بهذه القضايا، كلا، بل كل مسلم مسئول عن قضايا الأمة، دقت أم جلت، صغرت أم كبرت، ولا يعفيه من المسئولية أن يقول: ليس بيدي شيء، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ.