الفن وما شاكله

لعلك تجد أن كثيراً من المسلمين اليوم شباباً وشيباً، رجالاً ونساءً مشغولين -مثلاً- بقضايا الفن والفنانين.

إنك لو ناديت أي صبي صغير، وطلبت منه أن يقرأ عليك أغنية، لقرأها دون أن يتردد أو يخطئ في حرف منها، لكن ربما لو طلبت منه أن يقرأ سورة من القرآن، لتلكأ وتردد وعجز عن ذلك، حتى أصبح الفن قضية كلية، وأصبح أصحابه يسمون نجوماً وأبطالاً، وما ذلك إلا لأن الأمة قد عظّمت هذا اللون، ولعلكم أيها الإخوة تلاحظون أننا في هذه الأيام نسمع جميعاً أخبار توبة الفنان المعروف محمد عبده، وتتناقل الصحف أخباراً مؤيدة أو معارضة، بحسب مزاج الصحيفة ورغبتها وطريقتها في العرض، ولا شك أن كل مسلم يسر بتوبة هذا الرجل أو غيره، وقد كنت كغيري ننتظر مثل هذا الخبر؛ لأن الرجل -كما سمعنا- فيه خير كثير إن شاء الله، ونرجو الله عز وجل أن يصحح توبته ويثبتنا وإياه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

أقول: كل مسلم يسمع هذا الخبر يسر له، وكل مسلم يسمع قراءة الرجل لآخر سورة البقرة، وما فيها من التأثر لا يملك عينيه، وهو يرى هذا الرجل يقرأ آيات الله تعالى فيتأثر ويبكي، ويظهر هذا في صوته، ولا حرج في هذا، بل هذا هو الأمر الطبيعي، ولكن الأمر الذي أحب أن أتوقف عنده، إننا نجد في هذه الأيام، بل ومنذ زمن أن التائبين الراجعين إلى الله عز وجل يعدون بالألوف، بل بعشرات الألوف من كافة الأصناف وكافة الطوائف.

فربما تاب -مثلاً- عالم ذري كبير، وربما تاب مهندس عظيم، وربما تاب إنسان ذو مكانة كبيرة أو مسئول أو موظف، فلا يكاد يسمع بخبره أحد، فضلاً عن جماهير الشباب التي تئوب إلى الله عز وجل ولا يدري بها أحد، ولا يكترث لها أحد، فما هو سر اهتمام الأمة كلها بتوبة رجل؟ كما تهتم -مثلاً- بتوبة لاعب أو صلاحه واستقامته فتتناقل الناس في مجالسهم أخباره وأحاديثه وقصصه، وتكترث له أشد الاكتراث، السر هو أن الأمة أصلاً عظمت هذا اللون من الناس، فأصبحت تهتم بأخبارهم، وتتابعها أولاً بأول، وتعتني بها، وأصبح الخبر الذي يتعلق بهم، حتى لو كان خبراً عادياً، أصبح الناس يتناقلونه، فإذا كان الناس -مثلاً- يتناقلون جلسة فنية جديدة لفنانٍ ما، أو يتناقلون زيَّاً جديداً صنعه صانع معين، فما بالك إذا كان هناك خبر غير عادي، مثل خبر توبة هذا الإنسان، لا شك أن الدواعي تتوافر على تناقل هذا الخبر، وما ذلك إلا لأن الأمة قد كبرت الاهتمامات الهامشية والشكلية والجزئية في عقلها وحياتها وضخمتها فأصبحنا نسمى أهل الكرة أبطالاً! وذلك لأن مفهوم البطولة قد اختل عندنا.

ولا شك أن هذا جانب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015