ما ليس من المنهج

العنوان االسادس: ما ليس من المنهج: قد يبدو جلياً أن المنهج هو الخطوط العريضة، ويعني القواعد الكلية والأساسية، التي تندرج تحتها كل تفصيلات، ولهذا ينبغي أن يكون المنهج محل اتفاق، أو على الأقل أن يكون المنهج ثابتاً بنص شرعي أو إجماع، وأحياناً قد يدخل بعض الدعاة المجتهدين في المنهج أشياء لا تثبت في الشرع، ولا يمكن أن نقول بشرعيتها، فضلاً عن أن نقول بوجوبها.

فمثلاً: أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا تجردت عن الأمر، فمثلاً: الرسول عليه الصلاة والسلام إذا فعل شيئاً، ولم يأمر به، فهل هذا الفعل المجرد من الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على الوجوب؟ أقول: لا يدل على الوجب، وقد يدل على الاستحباب، أو على الإباحة والجواز بحسب المقام، ونوع هذا الشيء، فقد يدل على الاستحباب، كما هو الحال في العبادات، وقد يدل على الجواز كما إذا كان فعلاً بعد الحظر، أو ما أشبه ذلك.

المهم أن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب، فكوني أعد أن الأفعال المجردة منهجاً يجب اتباعه، واقتفاءه حرفاً بحرف، بالترتيب نفسه، والتسلسل نفسه، والتاريخ نفسه، فإن هذا فيه نظر، فبعض الناس مثلاً يقول: المرحلة الأولى الدعوة السرية، ثم الدعوة العلنية، ثم العرض على القبائل، ويسميه بعض الإخوان وبعض الدعاة المجتهدين، يسمونه طلب النصرة، يعني: طلب النصرة للدين، من أقوام غير مؤمنين، ثم الهجرة، ثم الجهاد، ثم يرتبون أشياء كثيرة.

نقول: شيء من ذلك قد حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو فرضنا أن قريشاً آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأسلمت الأمر لله، لم يكن حينئذٍ هناك حاجة إلى العرض على القبائل، لأن هذه القبيلة أسلمت، وتعهدت بحماية الرسول عليه الصلاة والسلام.

إذاً هذا الأمر أمر دعى إليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ظروف الدعوة ومتطلباتها وحاجاتها، فلا يمكن أن نقول: إنه نص يجب اتباعه، أو أنه مبدأ متسلسل في الدعوة؛ بل إن هذه الأشياء هي أفعال تدل إجمالاً على وجوب الدعوة، وعلى وجوب التبليغ إلى الأمم والقبائل كلها، أما اعتبار أن هذا التسلسل بهذا الترتيب، وأنه لا يجوز الإخلال به، ولا تقديم شيء على شيء، فهذا ليس بواجب، وليس بصحيح، ومن قال: إن هذا التسلسل نفسه تعبدي، بل إن كثيراً منه هو أمر اتفاقي، حتى خروج النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، من المعروف أنهم لم يخرجوا للقتال، وإنما خرجوا للعير، وأراد الله تعالى أن يكون القتال {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7] فكانوا يتمنون أن يدركوا العير ولا يحصل قتال، ولكن الله تعالى أراد غير ذلك.

إذاً لابد أن ندرك أن المنهج ينبغي أن يضبط بضوابط شرعية صحيحة، وأمور متفق عليها، أما اعتبار أن التسلسل التاريخي، حتى إن بعض الناس مثلاً يقول: نحن الآن في الفترة المكية، فلا نعمل شيئاً مما كان في الفترة المدنية، وهذا تجزئة للدين، وتبعيض له، وقول بوجود نسخ في الشرع، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015