ثم يقول: إن هذه الجماعات الدينية ذات أهداف سياسية تتستر باسم الدين، وأقول: يا سبحان الله!! هذا عجيب! الآن ممارسة السياسة حلال للجميع إلا للإسلاميين، إلا للمسلمين والدعاة وأهل العلم وأهل الخير والعلماء، هؤلاء حرام عليهم أن يتكلموا في السياسة، ولا تظنوا أن هذا الكلام من عندي، لا، بل نشروا هم في صحيفة صوت الكويت مقالاً صريحاً عنوانه: حوار هادئ حول العلمانية، يقول: إنه لابد من عزل الدين في جانب معين؛ لأن رجل الدين يفترض أنه رجل ورع وزاهد وفاضل ونقي وغير ذلك، والسياسة فيها منعطفات، ومناورات، ومداورات، ولف، ودوران، ومظاهرات، وأمور، وصراخ، وأشياء لا تليق برجل الدين، فرجل الدين يجب أن ينزوي إلا إذا باع دينه بدنياه فإنه حينئذٍ ينزل إلى ميدان الواقع، وإلى ميدان السياسة، فالآن لم يعودوا يجاملون، بل أصبحوا يصرحون بضرورة طرح العلمانية، وأن رجل الدين -كما يسمونه هم وإن أنكروا وذلك أحياناً لأنهم متناقضون- أنه ينبغي أن ينعزل في المسجد، ويكون بعيداً عن ممارسة أي دور في السياسة وأي دور في المجتمع.
أحرام على بلابله الدوحُ حلال للطير من كل جنس مثال ثالث أيضاً: كتب أحدهم مقالاً في جريدة سيارة، هو عبارة عن رسالة يقول إن أحد الناس كتبها إليه، يقول: إنهم يسألونني عن زوجتي إذا لقوني قد أركبتها في السيارة، هل هي زوجتك أم لا؟ وما هي الدلالة؟ ثم يجعلون الزوجة في غرفة والرجل في غرفة، وبعد ذلك يسألون الزوجة ما لون غرفة النوم، وما نوع المناديل التي تستخدمونها؟ وما شكل البيت؟ وما اسم أكبر الأولاد؟ وما اسم كذا؟ وما شكل كذا؟ وما حتى يتأكدوا من هذه المعلومات هل هي زوجتك فعلاً أم ليست بزوجتك؟ إنك تنشر لنا رسالة من أحد القراء، وصحيح أن هذا القارئ يزكي نفسه يقول: والله العظيم أنا أصلي، وأصوم، وكذا، ونحن لا نتهم هذا القارئ، ولا نتهمك أنت هل الرسالة حقيقية أو مزورة؟ هذا أمر نتركه، أمر غيب لله لأننا لا نريد أن نتكلم أو نتوقع شيئاً معيناً، لكننا جميعاً لا نستطيع أن نحكم على جهة معينة دون أن نسمع كلام الطرف الثاني.
ما هو الذي حصل لهذا الرجل؟ وما الذي حدث منه؟ وهل من المعقول أن تنشر في صفحات طويلة رسالة من قارئ؟ لا نعرف من هو؟ ولا ندري هل هو صادق أم غير صادق؟ ولم نسمع كلام الطرف الآخر، ولم نعرف في أي مكان حصل هذا الأمر!! لماذا يستهدف مثل هذا الجهاز بمثل هذه الحرب الشعواء علماً بأننا نعرف أن هناك أجهزة كثيرة مشابهة؟ هناك جهاز المرور، جهاز الشرطة، جهاز الأمن، وكل هذه الأجهزة تقوم على مصالح الناس، وكل هذه الأجهزة لها تجاوزات: فرجل المرور يمكن أن يخطئ، ويمكن أن يدعي على إنسان أنه قطع الإشارة ولم يفعل، وإذا كان الإنسان لو اشتكى إلى تلك الجهة أو هذه ربما لا تستمع إليه؛ لأنهم يقولون: لو سمعنا شكاوى المواطنين ما أثبتنا ولا مخالفة مرورية واحدة مثلاً.
فإنني أقول إن جهاز الهيئات على أتم استعداد لتلقي أي شكوى حقيقية من إنسان، والنظر فيها، ومعرفة أبعادها، وإذا ثبت أن هناك إنساناً تجاوز أو أخطأ فسوف يلقى جزاءه.
وهذا بخلاف كثير من الأجهزة الحكومية الأخرى، فإنه من الصعب أن تتقبل شكاوى المواطنين، وقد حصل هذا لي ولغيري فنحن نجد كثيراً من الأجهزة يقول: لا أستطيع، وإن كنت أعتقد أنه يمكن أن يقع الخطأ لكني لا يمكن أن أتقبل أية شكوى؛ لأن هذا سوف يفتح علينا باباً واسعاً، وتجاوزات رجال الأمن حدِّث ولا حرج.
ففي بلاد الإسلام في طولها وعرضها لا تسأل أجهزة الأمن عما فعلت، وقد تتدخل في خصوصيات الناس، وقد تتجسس على الناس، وقد تكشف أوراقهم، وقد تراقبهم ولم نجد في هذه الصحف من تكلم عن ذلك أبداً، وإنما تكلموا عن -ما يسمونه- بتجسس الأخيار، ورقابة ما يسمونه برقابة الطيبين عليهم.
ولا أدري ما هو الدافع إلى السكوت عن ذاك والتركيز على هذا؟! بالرغم من أن الأمر بالنسبة لهم لا يعدو أن يكون وهماً كبيراً.