الأمانة الأولى: هي أمانة عامة، وهي أن الله تعالى قد ائتمن كل عبد مكلف، على القيام بالدين وطاعة رب العالمين، واتباع الأنبياء والمرسلين.
فكل إنسان عاقل، رشيد، بالغ، قد حمل أمانة الدين، فعليه أن يقوم بالدين، باعتقاد العقيدة الصحيحة في الله تعالى وألوهيته وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، وفي معرفة الإيمان والإسلام، وفي العمل بما أوجب الله تبارك وتعالى والانتهاء عما نهى عنه، فهذه أمانة عامة قد حُمِّلها كل إنسان.
ولقد كان سلف الأمة -رضي الله عنهم وأرضاهم- يدركون قيمة هذه الأمانة وعظمتها، فيشفقون منها، ويتمنون أنهم لم يحملوها، حتى لقد روي عن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: [[وددت لو أني شجرة تعضد]] ونقل عن أبي عبيدة رضي الله عنه أنه تمنى أن يكون شاة يذبحها أهلها فيأكلوها ويستفيدوا من جلدها، وذلك لأنهم عرفوا قيمة هذه الأمانة وعظمتها، وأنهم مسئولون عنها بين يدي الله عز وجل فأشفقوا منها وفزعوا وخافوا، وهذا لا يعارض أنهم يشعرون أحياناً بتكريم الله تعالى لهم، حين جعلهم من البشر الذين اصطفاهم وكرمهم كما قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] .
وشعورهم بأن الله تعالى قد اختارهم حين جعلهم من أتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتكريم الله لهم حين بشر بعضهم بالجنة كما ثبت عن العشرة، ومنهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبو عبيدة، وغيرهم، فكانوا يشعرون بتكريم الله تعالى لهم بإنسانيتهم، وبإسلامهم، وباتباعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وببشارتهم بالجنة، ومع ذلك ففي بعض الأحيان يتذكر الواحد منهم هول يوم القيامة، والوقوف بين يدي الله جل وعلا، والصراط فيتمنى أنه لم يخلق، أو يتمنى أنه شجرة تعضد، أو يتمنى أنه شاة تذبح.
أيها الإخوة المؤمنون إن هذه هي الأمانة العامة التي هي على كتف كل واحد منا، بل هي على كتف كل إنسان بلغه هذا الدين قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19] فالمسلم والكافر والطائع والعاصي مكلفون ومؤتمنون، ويوم القيامة عما عملوا مسئولون قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] هذه هي الأمانة الأولى.