الصبر على شدة العلماء

الواجب الثاني: أن من واجبنا أن نصبر على ما قد يبدر أو يبدو من الشيخ الذي نتلقى عنه ونأخذ منه مما قد نعتبره نحن جفوة، أو شدة علينا، وقديماً قال الشاعر: فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً فليقسُ أحياناً على من يرحم كان علماء السلف رحمهم الله أحياناً يتعمدون أن يؤدبوا الطالب بكلمة أو بلفظة أو بعبارة معينة، لأن هذا الطالب يحتاج إلى ضربة معلم كما يقال، تجعله يعتدل، قد يشتط الطالب، قد يزداد، قد يعجب بنفسه، قد يتعدى حده، فيحتاج إلى كلمة تكون كالضربة من الشيخ يؤدب بها الطالب، ويقول له: أخطأت، والذي لا يتحمل هذا الأمر لا يمكن أن يكون عالماً، ولذلك قال مجاهد كما ذكره البخاري تعليقاً [[لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر]] لأن المستكبر يأنف من الذل في سبيل طلب العلم، وابن عباس رضي الله عنهما يقول: [[ذللت طالباً فعززت مطلوباً]] لاحظ ذللت طالباً فعززت مطلوباً، أي أنه يوم كان طالباً كان يذل نفسه بين يدي الشيخ، لا يقول: أنا فلان بن فلان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا الذي دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء مشغولون بحرثهم وزرعهم وتجارتهم، لماذا أركض وراءهم؟ لا، كان يذل نفسه بين يدي عالم وشيخ، فعز مطلوباً، فلما حصل على العلم أكرمه الناس وأعزوه، وصاروا يضربون إليه أكباد الإبل من كل مكان.

أيها الإخوة! المهم ينبغي أن نفرق بين صنفين من الناس: هناك صنف من العلماء، أو من المنسوبين إلى العلم، قد ينال من الشباب أو من الصالحين أو من الدعاة أو من طلاب العلم، ويقع فيهم ويلمزهم ويتكلم فيهم، من دافع البغض والشنآن والوقيعة والعداء للسنة، فهذا لا كرامة له، ولا نقول: إنه يجب تبجيله واحترامه وكذا وكذا، لكن هناك عالم من منطلق الحب والمودة، والحرص على الإصلاح، وتجنب العثرة، واتقاء الخطأ، قد يوجه وقد يرشد وقد يخطِّئ وقد يضيق، فنفرق بين هذا وهذا.

والإنسان إذا لم يستطع أن يميز عدوه من صديقه فهو في غاية الجهل، لأن صديقك الحقيقي هو من يقول لك: أصبت إذا أصبت، ويقول لك: أخطأت إذا أخطأت، أما من يصوبك على طول الطريق فهو عدو لك، وكذلك من يتحامل عليك، ويحوِّل صوابك إلى خطأ، فهو عدو أيضاً وكما قيل: إذا محاسني اللائي أذل بها صارت عيوباً فقل لي كيف أعتذر فلا بد من تحمل ما قد يبدر من الشيخ، مما قد يعده الطالب جفوة أو شدة أو قسوة في حقه: ومن لم يذق ذل التعلم ساعة تجرع كأس الجهل طول حياته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015