الاحترام والتقدير

فالواجب الأول: هو واجب الاحترام والتقدير، ومعرفة الفضل، وحسن الخلق، والتلطف في السؤال، والاستفتاء، والاستعادة والمراجعة وغير ذلك، وهذا ما كان السلف يفعلونه، حسن الخلق مع العالم تقديره احترامه.

في مستدرك الحاكم أن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه كان يأخذ بركاب زيد بن ثابت ويقول: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا، ومرة أخرى ابن عباس رضي الله عنه، كما في فضائل الصحابة للإمام أحمد وغيره، كان يأتي إلى الرجل من الصحابة يريد أن يأخذ عنه الحديث، فيجد أنه في القيلولة نائم، فلا يطرق عليه الباب ولا يؤذيه، بل يتوسد ثوبه وينام عند باب هذا الرجل، حتى تأتي الريح وتسفي على ابن عباس التراب، فإذا استيقظ الرجل وخرج لصلاة العصر وجد الرجل نائماً عند بابه، فسلم عليه وقال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أرسلت إلي فأتيتك، يعظمون ابن عباس لعلمه ولأنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه: [[لا أنت أحق أن يؤتى إليك]] ثم يسأله عن هذا الحديث ويرجع.

كان الناس يوقرون ويقدرون علماءهم، الإمام أحمد رحمه الله كان يجلس بين يدي خلف الأحمر كما ذكر بعض أهل العلم ويقول له: لا أقعد إلا بين يديك هكذا أُدِّبنا مع علمائنا، ومثله كان الشافعي وغيره من أهل العلم يفعلون مع معلميهم وأساتذتهم ومشايخهم، أما إني لا أقول كما يقول الغزالي صاحب إحياء علوم الدين، يقول: إنه يجب أن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله، فإن هذا تسليم لا يعرف في الإسلام، ولكن لعلنا نستعين بعبارة ابن جماعة الكناني في تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم، حيث يقول: إنه يجب أن يكون بين يدي شيخه كالمريض بين يدي الطبيب فلا شك أن الجهل داء ودواؤه العلم، وكما أن الجاهل مريض فالعالم طبيب، ولذلك فإنه ينبغي للطالب أن يتحلى بحسن الأدب، والتلطف مع شيخه، وتقديره في السؤال وفي المراجعة، وفي استعادته للكلام، ولو حدث من شيخه غلط أو خطأ، فإنه يراجع بأدب وحسن سلوك، وليس بالضرورة أن يواجهه هكذا في وجهه، ويقول: هذا من الشجاعة وهذا من الجراءة في قول الحق أخطأت، وهذا ليس بصحيح، وأنت وفلان قال: غير هذا، فهذا ليس من الأدب، وليس من التقدير، هؤلاء أناس بذلوا وقتهم للعلم وللتعليم، وللجهاد في العلم والدعوة في واقع الناس، فمن حقهم أن يجدوا الاهتمام ويجدوا الأدب، ويجدوا التقدير الذي يدعو غيره إلى أن يحذوا حذوه، ويدعوهم إلى أن يستمروا في ما هم فيه من العطاء والبذل والتضحية في هذا السبيل.

أيها الإخوة: من المؤسف أن علماء المبتدعة يجدون من عامة أهل البدع التقدير والاحترام والتبجيل، والمبالغة في ذلك، التي تصل إلى حد الغلو الذي لا يرضاه الله ورسوله، فنجد مثلاً من الرافضة تعظيماً لزعمائهم، وهذا أمر ملحوظ مشاهد، تجدونهم يسيرون خلفهم ويبجلونهم ويعظمونهم، ويتقصدون أن يشعروا الناس كلهم بأنهم خلف علمائهم، وأن العالم في المحل الأرفع عندهم، وكذلك المعتزلة، وغيرهم من أهل البدع، على سبيل المثال واصل بن عطاء شيخ المعتزلة كان له أتباع ومريدون، لو قال لهم: اذهبوا إلى الصين أو السند أو الهند لركضوا ولم يترددوا عما يقول؛ ولذلك يمدحه أحد الشعراء بقوله -يمدح هذا المبتدع الضال بقوله-: له خلف بحر الصين في كل بلدة إلى سوسها الأقصى وخلف البرابر رجال دعاة لا يَفلُّ عزيمهم تهكُّم جبار ولا كيد ماكر إذا قال مروا في الشتاء تسارعوا وإن جاء حر لم يخف شهر ناجر هم أهل دين الله في كل بلدة وأرباب فتياها وأهل التشاجر يعني يمدح هؤلاء الناس، بأنهم مطيعون لشيخهم في الضلالة واصل بن عطاء، وليس المقصود أن أهل السنة والجماعة يجب أن يكونوا مع علمائهم كأهل البدعة والضلالة، لا؛ لكن هناك قدر يخل به بعض الصالحين، ونحن كما أسلفت نفرق بين تقدير العالم وتبجيله واحترامه، وأن نتعمد إشعار الناس كلهم بأننا نقدر علماءنا، ونعظمهم، وهكذا أمرنا أن نصنع بهم، كما يقول ابن عباس، نفرق بين هذا وبين كون العالم له موقع لا نتخطى موقعه به، فالعالم ليس نبياً ولكنه وريث النبي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر} فورثة الأنبياء لهم قدر، لهم مكانة، لهم فضل، لكنهم ليسوا بأنبياء، بحيث لا يرد عليهم ولا يناقشون، ولا يراجعون، ولا يسألون عن الدليل، فلا بد من التفريق بين هذا وهذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015