حماية ظهور العلماء

الواجب الخامس: هو حماية ظهور هؤلاء العلماء، وذلك بأن يحمل الإنسان على عاتقه ألا يرضى ولا يأذن لأحد بأن يحط من قدر هؤلاء العلماء، أو ينال منهم، كثير ما تسمع بعض الناس يقول لك: يا أخي! هذا العالم مداهن، هذا العالم ساكت عن الحق، هذا العالم فيه كذا، هذا ضعيف، هذا فيه غفلة، هذا ليس عنده معرفة بالواقع، إلى غير ذلك من الطعون التي يوجهها كثير من الناس إلى علماء الأمة، علماء أهل السنة والجماعة، فالإنسان يجب عليه أن يحمل على عاتقه حماية ظهور هؤلاء العلماء، ويحتسب -أولاً- أن يكون ممن ذب عن عرض أخيه المسلم، وقد صح في الحديث من حديث أسماء بنت يزيد عند أحمد والطبراني وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من ذب عن عرض أخيه المسلم في غيبته أو بالغيبة كان حقاً على الله عز وجل أن يعتقه من النار} فهذا أخوك المسلم أولاً، ثم هو بعد ذلك ليس هو مجرد أخ، بل هو من قادة الأمة وعلمائها، وله من الحق ما ليس لغيره.

ولذلك على الإنسان أولاً: أن يدرك أن هؤلاء العلماء النيل منهم ليس كالنيل من غيرهم، ولذلك يقول ابن عساكر: اعلم أخي! أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وهذا ملحوظ.

أيها الإخوة! إنني أعرف رجالاً كانوا ينالون من أهل العلم المعروفين، الذين أسلمت الأمة لهم القيادة، فقال لأحدهم قائل، سمعه يقول في حق عالم جليل من علمائنا فقال له رجل: والله ليكونن لهذه الكلمة شأن، وفعلاً ما مر غير وقت يسير حتى كان هذا الذي ينال من العلماء ضل وانحرف عن سواء السبيل، والعياذ بالله! وأصبح في حال يرثى لها، فلحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، يعني كل إنسان ينتقص العلماء ويزدريهم غالباً يهتك ستره في الدنيا قبل الآخرة.

ونحن نقول لمن ينال من علمائنا، ويحط من قدرهم، نقول له أولاً: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا نحن لا نقول: علماؤنا معصومون، ولا نقول: إنهم أنبياء، ولا نقول: إنهم ملائكة، لكننا نقول: إنهم من أفضل البشر ومن خير البرية، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:7] والذي ينال منهم ينال من أفضل طبقات الأمة، ومهما يكن في العالم من التقصير، فيكفيه فخراً أنه في الوقت الذي أكون أنا وأنت مشغولون بالبيع والشراء والصفقات والدراسة وأعمالنا الدنيوية، هذا العالم قد انقطع عن كل هذه الأمور، وتفرغ للفقه في الدين والعبادة والعلم والتعليم، وغير ذلك من الجهود العظيمة.

يكفيه هذا فخراً، هذا العالم في يوم من الأيام كان طالباً في الكلية، كان زملاؤه في الكلية يعدون بالمئات كلهم ذهبوا، لا يعرفهم الناس، لا يعرفون إلا فلاناً لماذا؟ لأنه استمر في الطلب والعلم والتعليم والدعوة، حتى نفع الله به، وسد الله بيده ثغرة للأمة.

وثانياً نقول: هؤلاء علماؤنا، وبهم نفتخر، فلماذا يكونون هم بيت القصيد؟! وهم موضع السهم؟! لماذا تغفل عن العلمانيين ودعاة الضلالة، وكثير من الفساق والفجار، وحملة الأفكار الأرضية والمذاهب الوضعية، ودعاة الفتنة والفساد لماذا تغفلون عنهم؟! لماذا يلقى هؤلاء الحظوة؟! وهذا أمر غريب أيها الإخوة! المنحرفون حتى المنحرفون يبجلون قادتهم، ولذلك تجد كثيراً ما يطبق الناس على مدح فلان، فلان ناجح في عمله، قام بخدمات جليلة، أمين مخلص جاد، وهات من هذه الألقاب الفضفاضة الفخمة، لماذا؟ لأن أولياءهم من شياطين الإنس نجحوا في تضليل الناس والتغرير بهم، وتلميع شخصياتهم وصورهم، فصاروا هم العلماء والأدباء والشعراء والعاملين والمخلصين، وأضفوا عليهم من الألقاب فوق ما يستحقون! في حين أن الدعاة وطلاب العلم وأهل الخير والصلاح خذلوا علماءهم، ورضوا بأن ينال منهم، فهذا لا يكون ولا ينبغي أن يكون.

كذلك أضيف أنه ما قد يوجد عند العالم من تقصير قد يكون طبيعياً من جهة، ومن جهة قد نتحمل نحن مسئوليته، لأن من واجبنا نحن أن نوصل إلى العالم ما نرى وجوب إيصاله، فمثلاً لكي يكون العالم بصيراً بالواقع، يحتاج إلى أن يكون الناس جسوراً يوصلون إليه ما يرون في الواقع من أمور، وإلا فالعالم ليس كالشمس يشرق على جزء كبير من الدنيا، بل الشمس لا تشرق على الدنيا كلها، وإذا أشرقت على بلاد غابت عن بلاد أخرى، فانشغاله بالعلم والتعليم، وأمور ومهام ومشاغل كثيرة، قد يلهيه عن أمور أخرى فعلاً، ويصبح ليس لديه الملكة الكافية، فمن واجب الناس أن يحرصوا على إيصال مثل هذه الأمور لعلمائهم، وإيصال ما قد يقال من الأمور التي من المهم أن يعرفها العالم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015