أيها الإخوة! وكل أمة من الأمم تتخذ لها قيادات علمية وفكرية، تعظمها وتبجلها وتقدرها، بحسب الأسلوب الذي يتناسب معها، فمن هذه الأمم -أعني الأمم كافة- من تسلك في سبيل تبجيل وتعظيم علمائها أن تبني على قبورهم المساجد، تعبيراً عن تعظيمها لهذا العالم، كما فعلت الأمم الكتابية الضالة، اليهود والنصارى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجداً} فهؤلاء القوم الضالون، والمغضوب عليهم، تعبيراً عن تعظيمهم لعلمائهم كانوا إذا مات العالم أو النبي بنوا على قبره مسجداً، كما قال القوم أيضاً عن أصحاب الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف:21] بناء المسجد على القبر، أو دفن الميت في المسجد، هذا تعبير وثني مخالف لعقيدة التوحيد.
لكن هذا شأن الأمم الوثنية، من اليهود والنصارى وغيرهم، كذلك قد يعبرون عن تعظيمهم لعلمائهم بتصويرهم، وتعليق صورهم في أماكن العبادات، وهذا أيضاً وقع فيه أهل الكتاب، ولذلك لما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكرتا له كنيسة رأينها بالحبشة، وأن فيها صوراً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله} وكان أول من وقع في هذا المنزلق الوثني هم قوم نوح كما في صحيح البخاري عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] [[إنها أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن صوروا هؤلاء القوم، وانصبوا لهم هذه الصور ففعلوا، ولم تعبد، فلما مات أولئك القوم، وجاء من بعدهم ونسي العلم عبدت]] ، فتصوير هؤلاء هو أيضاً مظهر من مظاهر احتفال الأمم الوثنية بعظمائها.