فلا إله إلا الله: تقتضي أن لا يتوجه الإنسان بصلاته وزكاته ونسكه لغير الله تعالى، فمن قال لا إله إلا الله ثم دعا نبياً أو ولياً فقد نقض لا إله إلا الله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163] .
ولا إله إلا الله: تقتضي صياغة النظام الاقتصادي حسبما يريد الله تعالى، بعيداً عن أنظمة الشرق الشيوعية وبعيداً عن أنظمة الغرب الربوية الرأسمالية، وإذا كانت أنظمة الشرق الشيوعية قد تهاوت وانهارت وانتهت، فإن أنظمة الغرب الربوية الرأسمالية لا تزال قائمة تضرب بجرانها في بلاد العالم كلها، ولا يزال الواقع يوحي بأن هناك مزيداً من الانغماس في النظام الربوي الغربي المخالف لشريعة الله عز وجل، فلا إله إلا الله تقتضي البعد عن أنظمة الشرق الشيوعية، كما تقتضي البعد عن أنظمة الغرب الرأسمالية.
وتقتضي البعد أيضاً عن الفساد المالي الذي ينخر في بلاد المسلمين، وشعيب عليه السلام دعا الناس إلى التوحيد وفي الوقت نفسه كان يقول لهم: {وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود:84] فلا يعني أننا سوف نتوقف عن معالجة أمور الواقع حتى ننتهي من تأسيس التوحيد، بل نحن ندعو الناس إلى التوحيد وفي الوقت نفسه نقول لهم: {وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود:84] .
ولا إله إلا الله: تقتضي أن لا تؤخذ الأحكام والتشريعات والنظم والقوانين من غير الكتاب والسنة.
إذ أن هناك في الحياة منهاجان: دين الله، ودين الملك، دين الله: هو عبادة الله وحده، ولهذا قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:76] دين الله عز وجل واضح وكلمة: لا إله إلا الله؛ تقتضي إفراد الله تعالى بالعبادة، ومن ذلك أنه لا يملك أن يقال: هذا حلال وهذا حرام، وهذا حق وهذا باطل، وهذا صواب وهذا خطأ، وهذا صحيح، وهذا فاسد إلا الله عز وجل.
ولذلك فإن الحكم بما أنزل الله هو جزء لا يتجزأ من كلمة لا إله إلا الله، والحكم بغير شريعة الله تعالى هو نقض لهذه الكلمة وهو شرك بالله تعالى؛ لأن الذي حكم بغير شريعة الله رضي أن يكون هذا المشرع أو المقنن إلهاً تؤخذ منه الأحكام والتشريعات، فهو الذي يضع الحدود، وهو الذي يحلل الحلال، وهو الذي يحرم الحرام، والله سبحانه وتعالى يقول: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] وفي قراءة سبعيه {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] أي: لا تشرك مع الله تعالى أحداً في الحكم، وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] .
فلا يملك أحد حتى العالم الكبير الفحل حين يقول: هذا حلال وهذا حرام؛ إنما هو معبر عن حكم الله ورسوله وترجمان عن الكتاب والسنة، لا يأتي بشيءٍ من قبل نفسه، فمن دونه من باب أولى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء:29] كما قال الله عز وجل عن الملائكة، فلا يملك أحد أن يحلل أو يحرم أو يشرع إلا الله تعالى، ومن ادعى ذلك فقد نازع الله تعالى وحارب الله في حكمه وأمره واتخذ نفسه رباً من دون الله، ومن أطاعه في تشريع أو تحليل أو تحريم أو تقنين فقد اتخذه إلهاً من دون الله عز وجل.
والذين يعتبرون الدعوة إلى تحكيم شريعة الله نوعاً من تسييس الدين، أي: جعل الدين مطية -كما يعبرون في صحفهم وإعلامهم الفاسد اليوم- لأغراض سياسية، ويجعلون الداعين إلى ذلك داعين إلى مطامع ومآرب وأغراض ومقاصد ذاتية، هؤلاء الناس إنما يرددون ما يقوله أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام من قبل في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام كما أسلفت.