ونحن نخاطب الجماهير التي تثق بكلمتنا، وتصدق ما نقول وهي بحمد الله تعالى كثيرة؛ فنقول لهم: إننا -والله-وكذلك سائر دعاة الإسلام المخلصين وبحمد الله تعالى وهم كثير في أرض الإسلام لا يسعون لجلب مصالح شخصية لأنفسهم قط، ولو أرادوا ذلك لعرفوا طريقه، ولكنهم اختاروا الطريق الصعب، الطريق الذي فيه السخرية والتعتيم الإعلامي، وفيه تحطيم المواهب، ومناصبة العداء، وفيه اتهام طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام:34] كذبوا وأوذوا وسجنوا وقتلوا، قال الله تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران:146] وفي قراءة (وكأيِّن مِنْ نَبٍّي قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) فالأنبياء قتل منهم من قتل، وبنو إسرائيل كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، وجرح منهم من جرح، بل سيدهم صلى الله عليه وسلم جرح في أحد، وكسرت رباعيته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته صلى الله عليه وسلم، وشج رأسه، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: {كيف يفلح قومٌ شجوا نبيهم} هذا هو الطريق الصعب.
فالأنبياء منعوا من الخروج من بلادهم، وحوصروا، وكان أعظم هدفٍ لهم هو النصر أو الشهادة، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يستشهد في سبيل الله: {وددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل} وقال عليه الصلاة والسلام: {والله لوددت أني غدوت مع أصحابي بحصن الجبل} قال ذلك في إحدى المعارك والحديث في مسند أحمد وغيره وسنده صحيح، فلم يكونوا يطمعون في دنيا، ولم يطمحوا إلى منصب، بل كانوا أزهد الناس في المناصب.
ويعلم الله تعالى أن دعاة الإسلام الصادقين -وهذا ما أعرفه عن نفسي وعنهم- أنهم من أزهد الناس فيما يتنافس فيه أهل الدنيا، وفيما تشرئب إليه أعناق الكثيرين ممن يتهمون الدعاة، وكما قال أحد الدعاة المهتدين: (والله لأن أكون موزع بريد في دولة تحكم بالإسلام، خيرٌ وأحب إليَّ من أن أكون حاكماً أو وزيراً في أرض لا تحكم بشريعة الله تعالى) .
ولكننا نتدين ونتعبد بأننا نعتبر أن السياسة جزءاً من الدين، وأن اعتقاد انفصال السياسة عن الدين كفرٌ وردة عن شريعة الله تعالى، وأن من مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام التي بعثوا بها: إصلاح الفساد السياسي واستدراكه، والله تعالى يقول {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] الكافرون، الظالمون، ويقول الله سبحانه: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الإسراء:12] ويقول: {وَنزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] ويقول {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] في كل شئون الحياة، في الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والإعلام، والإدارة، وفي كل أمرٍ من أمور الحياة.
وفي الفترة المكية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم الآيات القرآنية التي تنعي على المشركين تحكيمهم شريعة غير شريعة ربهم، وتعتبر هذا أحد ألوان الشرك التي وقعوا فيها، والتي جاء الرسول لإخراجهم منها، وهذا جزء من معنى لا إله إلا الله، قال الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256] وكل مسألة في الدنيا لله ولرسوله فيها حكم، وللطاغوت فيها رأيٌ، -كما سبق من قبل- فهذا دين الله وهذا دين الطاغوت، فلا بد من مقارعة رأي الطاغوت الذي يعرض في كثير من الأحيان بترويج إعلاميّ مذهل، وبأساليب متفننة، وبطرائق ماكرة خبيثة، استخدمت أرقى ما توصل إليه الفكر البشري من التقنية، ومعرفة بطبائع النفوس ومداخلها ومنحنياتها ومنعطفاتها، فلا بد من مواجهة هذا الترويج الإعلامي ببيان حكم الشرع الواضح البين الذي ترتاح إليه النفوس وتبرأ به الذمم.