الانحراف عن أولويات الدعوة

لقد كانت المعركة وكان الخلاف الجوهري بين الطرفين هو الخلاف بين التوحيد والشرك، الخلاف بين النص والهوى، الخلاف بين عبادة الله وعبادة الطاغوت، أفلا يتفطن لذلك أقوامٌ ممن يعنون بأمر الإسلام؟! أو هكذا يظن بهم، ألا يجددون حقيقة الدعوة والاتباع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟! فيخوضوا المعركة التي خاضها الأنبياء، التي خاضها أئمتهم من قبل، ولا يتشاغلوا بُبنَيّات الطريق عن هذه المعركة الكبرى، ويجعلون الهموم كلها هماً واحداً وهذا دأب المصلحين والمجددين على مدار التاريخ.

ما هي المعركة التي خاضها ابن تيمية رحمه الله مع خصومه؟ بالدرجة الأولى كانت معركة التوحيد والوحدانية والدعوة إلى إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، ومحاربة كل صور وألوان الشرك سواءً أكان شركاً في العبادة، أم شركاً في الطاعة والاتباع إلى غير ذلك، وهكذا الإمام محمد بن عبد الوهاب وهو مجدد في هذه البلاد، وكثير من الناس لا يزالون يقتنون كتبه ويسمعونها ويقرؤونها بل ويحفظونها، لكنهم يغفلون أو يتغافلون، فما هي المعركة التي أثارها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب؟ هل أثار معركة في خلافٍ فقهي؟ لا، هل أثار معركة في خلاف في قضية جانبية؟ لا، المعركة التي أثارها رحمه الله هي المعركة مع صور الشرك التي كانت تضرب في هذه البلاد، عبادة غير الله تعالى، فدعا الناس إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، ولذلك لا تجد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا لأتباعه وتلاميذه لا تجد لهم فقهاً مستقلاً، فقههم هو فقه الأئمة من قبلهم، يختارون ما يرون أنه أقرب للدليل، وليسوا كما قيل عنهم مذهب خامس؛ لا، بل مذهبهم هو مذهب من قبلهم من الأئمة والعلماء، إنما كانت المعركة التي خاضوها وحاربوا من أجلها وأوذوا من أجلها وصبروا هي معركة التوحيد مع الشرك.

أما كثيرٌ من المنتسبين إلى العلم وإلى الدعوة فإنهم يثيرون معارك وهمية، ومعارك جانبية، وطواحين في الهواء مع من حولهم من الناس، معركة مع فلان؛ لأنه خالف في فرعية، ومعركة مع علان؛ لأنه خالفه في جزئية، ثم تتوالى الكتب وتتوالى الرسائل والأشرطة، ولا يوجد مانع أحياناً من المناظرات، فإذا لم تُجْدِ المناظرات فإننا نلجأ أحياناً إلى نوعٍ من المباهلة، كل ذلك في قضايا ليست بالتأكيد هي القضايا التي جاء الأنبياء ليقولوها للناس، وليست القضايا التي وضحها الأنبياء ودعو إليها، وليست هي القضايا التي بدأ القرآن وأعاد حولها، وليست هي القضايا التي دندن حولها المصلحون منذ فجر التأريخ إلى اليوم؛ لا؛ وإنما هي قضايا -في الغالب- فرعية، وقضايا تحتمل الخلاف، وقضايا ليس فيها هدىً وظلال، وإنما قد يكون فيها خطأ وصواب، وقد يكون الخطأ هنا أو هنا أو قد يكون جزءاً من الصواب هنا أو جزءاً من الصواب هناك والقضية نسبية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015