القضية الأساسية الكبرى والمحور الأعظم الذي يدور حوله جهاد الأنبياء، وتدور حوله دعوتهم، والمسألة التي دعوا إليها جميعاً وحاربوا من أجلها، وسالموا من أجلها، وأوذوا في سبيلها، واستغرقت عليهم دقائقهم وساعاتهم وأيامهم ولياليهم، وكانت ديدنهم ولهجهم؛ ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً هي: قضية سهلة واضحة بعيدة عن التعقيد، بعيدة عن الغموض، بعيدة عن الإشكال، يفهمها الإنسان البسيط، يفهمها الأعرابي الراكض وراء غنمه في مجاهل الصحراء، كما يفهمها الفيلسوف في صومعته، كما يفهمها العالم في مختبره، يفهمها المتعلم والأمي على حدٍ سواء؛ لأنها قضية بُعثوا بها إلى الناس كلهم، لم يبعثوا للأذكياء فقط، ولا للمتعلمين فقط، بل بعثوا لكل الناس.
ولذلك كانت القضية واضحة لا إشكال فيها، وهي: قضية عبادة الله تعالى وترك عبادة غيره، وهذا جزء من اليسر الذي وصف النبي صلى الله عليه وسلم به الدين: {إن هذا الدين يسر} كما في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة، فجزء من اليسر هو اليسر في العقيدة، فأنت تجد عقيدة الإسلام ليس فيها غموض ولا صعوبة ولا تعقيد ولا إشكال، ومن السهل جداً على أي إنسان أن تشرح له كلمة التوحيد في عشر دقائق فينطق بها وقد فهمها ووعاها.
لكن حين تنتقل -مثلاً- إلى دين النصارى تجد أن في عقيدتهم من التعقيد ما يجعل كبار الأذكياء والعباقرة يحارون فيه، ويعجزون عن فهمه، فما بالك بالبسطاء، والسذج من الناس الذين، هم عن فهمه أعجز، بل هم يسلمون بما يقوله لهم القساوسة، ويقولون: اعصب عينيك واعتقد وأنت أعمى، أما في الإسلام فالأمر واضح ليس فيه إشكال ولا تعقيد.
ولذلك القضية كلها اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، أو لا إله إلا الله، أي لا معبود بحقٍ إلا الله عز وجل، وهذا معناه توجه الإنسان بقلبه وبجوارحه كلها وبكل أعماله إلى الله تعالى، وخلع جميع الأوثان والأنداد التي يتأله الإنسان لها ويعبدها من دون الله أو مع الله، وليس بالضرورة أن تكون الآلهة أصناماً وأحجاراً وأشجاراً وطواطم فهذا كان موجوداً في زمن الجاهلية الساذجة المغفلة البسيطة، الذي كان الواحد منهم -كما قيل- يعبد التمرة فإذا جاع أكلها، وكما ذكر أبو رجاء العطاردي وهو من المخضرمين أنه في الجاهلية كان الأعراب يبحث أحدهم في الصحراء عن أربعة أحجار فيضع ثلاثة منها أثافي لقدره ينصب عليها القدر، أما الرابع فهو يضعه في القبلة يصلي إليه، وإذا لم يجد حجراً فإنه يأتي ويحثو حثوه من تراب ثم يحلب عليها الشاة ثم يعبدها.