أهمية توحيد الألوهية

المقصود أن المصلحين قد غفلوا عن هذا الركن العظيم أو كادوا أن ينشغلوا عنه بغيره، أعني ركن توحيد العبادة، توحيد الألوهية، توحيد الله تعالى وعدم صرف شيءٍ من ألوان العبادة دق أو جل لغير الله عز وجل، وتوحيد الربوبية هو أحد أنواع التوحيد، ولكن البشر جبلوا على الإيمان بالله والاعتراف بوجوده فطرةً؛ ولذلك سرعان ما تهاوت وانهارت معاقل الشيوعية؛ لأنها كانت تقوم على أساس إنكار وجود الله عز وجل، والذين كانوا يدندنون بالإلحاد في بلادنا وفي بلاد الإسلام وفي غيرها، كان كثير منهم ينطلقون من حماسات سياسية أكثر من أن ينطلقوا من قناعات عقلية، وكأن الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى -والله تعالى أعلم- كأنه تراجع كثيراً ولم يعد الآن خطراً يهدد الإيمان، وإن كان الناس يحتاجون دائماً وأبداً إلى تذكيرهم وإزالة الشكوك والشبهات من نفوسهم.

وتوحيد الأسماء والصفات يحتاج إلى كشف وإلى حديثٍ وبيان لكثرة الانحراف فيه وكثرة الفرق المخالفة، وقد جاءت الرسل عليهم الصلاة والسلام بتعريف الناس بربهم الحق بأسمائه وبصفاته وبأفعاله جل وعلا، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة} .

ولكن يبقى موضوع توحيد الألوهية هو المركز الذي تدور حوله المعركة الكبرى، وكيف لا يكون الأمر كذلك؟! ونحن نجد أن المعركة مع الأنبياء وأتباعهم كانت حول هذا الركن العظيم؟! لم تكن المعركة خلافاً حول فرعية من فرعيات الفقه أبداً، بل الرسل أنفسهم عليهم الصلاة والسلام قد تعددت شرائعهم؛ لأن الشرائع تختلف من وقتٍ لآخر ومن بلدٍ إلى آخر أو أمة لأخرى، إذ أن الشرائع إنما جاءت لتنظيم حياة الناس فيما يحقق المصلحة العاجلة لهم، وفيما يضمن لهم المصلحة في الدار الآخرة، ولذلك اختلفت شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهم أبناء علات دينهم واحد وهو التوحيد أما شرائعه فهي شتى مختلفة، فلم تكن المعركة قط -وأقولها مرة أخرى- لم تكن قط بين الأنبياء وبين خصومهم معركة على جزئية من الجزئيات؛ لا، ولا كانت معركة على فرعية من الفرعيات؛ لا، ولا كانت معركة على مسألة من المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص والتي فيها مجال للأخذ والرد؛ كلا، وألف كلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015