إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه من أنبياء الله ورسله الذين حملوا الرسالة وأدوها وبلغوها وجاهدوا في الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين من ربهم، فصلوات الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين وسلامه، وجزاهم الله تعالى عنا أفضل الجزاء وأكمله وأعظمه وأوفاه.
هذا الاسم الكريم اللامع العظيم الجميل: (الأنبياء) على مدار التاريخ كانوا يبعثون ويجاهدون ويصابرون، وكانوا منارات يهتدي بها الناس في الظلمات، وطالما تحملوا ما تحملوا، ولقوا ما لقوا، وصبروا على الأذى من أقوامهم، لا يرجون جزاءً ولا شكوراً، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، كل همهم أن يعبِّدوا الناس لرب العالمين جل وعلا، كل نبيٍ منهم كان يبعث إلى قومه على حين فترة؛ فيناديهم ليلاً ونهاراً ويخاطبهم سراً وجهاراً، ويتحمل في سبيل دعوته ما يلقى من صدود وأذى وتكذيب؛ ولذلك كتب الله تعالى لهم الذكرى الحسنة في هذه الدنيا، فما من إنسان إلا ويهش لسماع ذكرهم ويفرح بحديثهم ويثني عليهم ويحبهم ويصلي ويسلم عليهم كلما ذكروا، فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وما أعد الله لهم في الدار الآخرة من المنازل العليا في الدنيا والدرجات في الجنة هو فوق ما يخطر على بال المتأملين.
روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست، فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: قم فصلِّ، قال: فقمت فصليت فجلست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال: قلت: يا رسول الله وللإنس شياطين! قال: نعم، قلت: يا رسول الله ما الصلاة؟ قال: خير موضوعٍ من شاء أقل ومن شاء أكثر، قال: قلت: يا رسول الله! فما الصوم؟ قال: فرضٌ مجزٍ وعند الله مزيد، قال: قلت يا رسول الله، فالصدقة! قال: أضعاف مضاعفة، قال: قلت يا رسول الله، ما أفضلها -أو أيهما أفضل-؟ قال: جهدٌ من مقلٍ، وسرٌ إلى فقير -جهدٌ من مقل أي: ولو كانت صدقة قليلة ولكنها هي ما يملكها الإنسان وما يستطيعه- قال: قلت يا رسول الله أي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم عليه السلام، قلت ونبيٌ كان؟ قال: نعم، نبيٌ مكلم، قال: قلت يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر، جماً غفيراً- وفي بعض الطرق والروايات قال: وخمسة عشر- قال: قلت يا رسول الله! أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] } وهذا الحديث رواه النسائي في كتابه السنن الكبرى ورواه البزار وغيرهم وفيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط، وللحديث شواهد منها حديث أبي أمامة رضي الله عنه بنحوه عند الإمام أحمد وفيه علي بن زيد بن جدعان، وللحديث طرق أخرى عند ابن حبان وغيره.