واجبنا تجاه أحاديث اليأس

أقول: ينبغي أن ننظر في هذه الأحاديث نظرة تأمل، وألا نسمح لليأس أن يتسرب إلى قلوبنا، خاصة إذا تذكرنا المبشرات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها قضية الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وبقاء الجهاد والتجديد، وبقاء الخيرية في هذه الأمة، وانتصار هذه الأمة على الروم والترك واليهود والدجال وغيرهم.

ومنها ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: {أن الصابر من هذه الأمة على دينه له أجر خمسين يعملون مثل عمله من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم} ومع ذلك يجب الاعتدال، فحينما نقول هذا لا نعني أننا ننتظر رجالاً كرجال القرن الأول يظهرون بيننا! كلا، يجب أن ننظر نظرة واقعية، وندرك أن كل عصر له رجاله، وليس صحيحاً أن نطلب المحال بحيث إذا قيل للإنسان: أين العلماء؟ قال: في "ثلاجة" وهي مقبرة معروفة ببريدة، هذا صحيح "ثلاجة" فيها علماء لكن أيضاً -الحمد لله- الأمر كما قال الأول: إذا مات فينا سيد قام سيد قئول لما قال الكرام فعول فالأمة فيها خير كثير، وفيها علماء فطاحل جهابذة يستسقى بدعائهم المطر من السماء، ويتعبد لله تعالى بسؤالهم وفتياهم واتباعهم وطاعتهم فيما بلغوا من دين الله وشرعه، وهم أئمة وقفوا أنفسهم على هذا الدين، وهناك طلاب علم كثيرون، نذروا أنفسهم لهذا العمل.

ليس صحيحاً أن أرحام النساء عقمت فلا تلد! ليس صحيحاً أن نتصور أن الأمة -مثلاً- بعد شيخ الإسلام ابن تيمية انتهت؛ صحيح أن ابن تيمية علم راسخ ربما لم يأتِ بعده مثله، بل أجزم أنه لم يأتِ بعده مثله، لكن مع ذلك هناك رجال كثير في هذه الأمة، هناك علماء، وهناك جهابذة، وهناك مصلحون، وهناك دعاة، وهناك مجاهدون، وهناك أئمة، بل إنني أقول: إن الأمة نفسها تشارك في صناعة هؤلاء الأئمة، فإن العالم إذا كان في وسط قوم يعظمونه ويقدرونه ويوقرونه ويعرفون له قدره، فإن هذا يزيد من ارتفاعه ومكانته كما قال أحدهم: إنما عَظُمَتْ بصغار عظموك.

فالعالم إذا أحاط به الناس وأخذوا عنه وقدّروه وبجلوه واحترمته الخاصة والعامة، وأصبح له مكانته، فليس من السهل أن يخطئه أحد أو يعارضه أحد أو يقف في وجهه أحد، لكن إذا كان هذا العالم مركوناً لا يلتفت إليه أحد أصبح في الأمة مثل الذهب الذي في معدنه لم يعلم به أحد، فالأمة هي التي تشارك في صناعة العلماء والقادة والدعاة وإعدادهم وإخراجهم، فينبغي ألا نقوم دائماً بلوم الآخرين وننسى الدور الذي كان يجب علينا أن نؤديه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015