الخطأ الثاني الذي يقع فيه أولئك الذين ينظرون نظرة يأس للأحداث والأحاديث: أنهم أحياناً يستأنسون ببعض الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، وذلك لأن العلماء الذين صنفوا في الفتن تساهلوا، مثل نعيم بن حماد -مثلاً- وأبي عمرو الداني ومثله الحكيم الترمذي والديلمي وكثير من هؤلاء العلماء يذكرون في الفتن خاصة أحاديث ضعيفة وأحياناً أحاديث موضوعة، فإذا قرأت تدرك أنه موضوع فتجد أحياناً، حديثاً ربما يكون أربع صفحات أو خمس صفحات يذكر الفتن وهو غالباً لا يصح، فلا ينبغي التساهل في رواية تلك الأحاديث، خاصة إذا كانت أحاديث تذم الواقع.
فمثلاً: بعض الأحاديث تتكلم بذم الناس "ذهب الناس وبقي النسناس"، "رأيت الناس أخبر ثقله"، "بعد مائة سنة لا يبقى مولود لله فيه حاجة" مثل هذه الأحاديث لا تصح، لكن بعض الناس يفرحون بها، من أجل يعرض عن الناس ويتركهم ويقول: هؤلاء الناس لا خير فيهم ولا تلتفت إليهم، هؤلاء الناس فيهم وفيهم، وقال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فيعتمد على أحاديث ضعيفة أو موضوعة في ذم الناس.
وإذا انتقل إلى العلماء بدأ يذم العلماء وينتقص منهم، ويقول: هؤلاء لم يفعلوا ولم يفعلوا وفيهم وفيهم، ثم يذهب يستأنس بحديثين أو ثلاثة أحاديث موضوعة، في ذم أهل العلم وأن من أهل العلم من يمسخ في آخر الزمان قردة وخنازير، وأنهم يتعلمون العلم لغير وجه الله تعالى وإلى آخره، فيستشهد ويستأنس بهذه الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في الحط من أقدار علماء عصره، ولا نشك أن هناك أحاديث صحيحة في هذا الباب؛ وهناك علماء ينطبق عليهم الكلام، لكن ينبغي أن توضع هذه الأمور في مواضعها.
هناك -مثلاً- من يترك الزواج ويترك إنجاب الأولاد، فتقول له: لماذا؟ يقول: هذا الزمان زمان مظلم، الولد تتعب فيه لا تدري كيف يتربى؟ ولا تدري، ولا تدري، ثم يأتي لك بحديث مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يأتي على الناس زمان لأن يربي أحدهم جرو كلب، خيرٌ له من أن يربي ولداً من صلبه} هذا الحديث رواه الحاكم وغيره وفيه ضعف، يقول: أنا لا أريد أن أربي أولاداً ولا أهتم بهم، لماذا؟ الكلاب خير منهم، هذا ليس منطقاً، وليس صحيحاً، هذه نظرة تشاؤمية، نظرة سوداوية، ينبغي لطلبة العلم أن يحرصوا على إخراج الناس من هذا النفق المظلم، وجعلهم يعيشون في النور.