جانب الحب والمودة

أما الجانب الأول فهو: جانب الحب والمودة: وقد جعل الله تبارك وتعالى الزواج سكناً ورحمة ومودة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] فالزواج سكن ومودة ورحمة وألفة.

ولذلك كان الزواج من سنن المرسلين فالله عز وجل ذكر عن المرسلين أنه جعل لهم أزواجاً وذرية وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج فقال في صحيح مسلم عن ابن مسعود: {يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء} وهذا عام للذكر والأنثى فهو يصح أن يقال عن الفتاة كما يقال عن الشاب.

ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالحب لأزواجه على تفاوت في ذلك، في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية قِبَلْ نجد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {يا رسول الله من أحب الناس إليك قال: عائشة، قال: فمن الرجال قال: أبوها} إلى آخر الحديث، فأولاً الرسول صلى الله عليه وسلم يشعر بالحب والمودة في قلبه لـ عائشة رضي الله عنها أكثر مما يشعر لغيرها من الناس، فهي أحب الناس إليه رضي الله عنها ثم إنه صلى الله عليه وسلم لا يستحي من هذا الأمر، أو يكتمه، أو يكنه، بل يعلنه ويعرب عنه ويقول لسائله: أحب الناس إليَّ عائشة، وكان حبه صلى الله عليه وسلم ل عائشة أمراً عجباً، وله في ذلك قصصٌ وأحداثٌ يطول المجال لو تعرضت لها، ومن أراد أن يراجعها فليراجعها، فكثير منها في الصحيحين والسنن وغيرها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة، ولم يكن هذا الحب مقصوراً على عائشة، بل ورد في حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن زينب بنت جحش: [[وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بدينها، أي أنها لم تدخل في الإفك، ولم تقل إلا خيراً]] ف زينب كانت تسامي عائشة وتنافسها سواء من حيث الجمال، أو من حيث المكانة عند الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكذلك تجدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل على زينب وكان رجال يتحدثون في مجلسه صلى الله عليه وسلم فكأن النبي صلى الله عليه وسلم استبطأهم وهو ينتظر أن يخرجوا بعد أن أكلوا طعام الوليمة، فخرج عليه الصلاة والسلام ثم دار على نسائه كعادته فكان يقول: السلام عليكم، وكيف حالكم؟ ويسأل نساءه عن أحوالهن، ثم رجع فوجد هؤلاء الرجال لا يزالون جالسين فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً عرفوا أنهم أثقلوا عليه فقاموا مسرعين وخرجوا.

فوضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب، والحديث أصله في صحيح مسلم.

فكونه يستبطئ جلوس هؤلاء الرجال، ويرغب أن يُتيحوا له الفرصة ليخلوا بزوجه، هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر وضع الله عز وجل في قلبه ما فيه المحبة لزوجاته، وجعل الزواج سكناً ومودة ورحمة له عليه الصلاة والسلام كما هو لسائر الأمة المحمدية، هذا من حيث المحبة.

ولاشك أنه عليه الصلاة والسلام يتفاوت حبه لأزواجه بعضهن عن بعض، ولذلك اشتهر حبه ل عائشة، وكذلك زينب كان يحبها صلى الله عليه وسلم، ولا يمنع هذا أن يكون حبه لبعض نسائه دون ذلك كما تدل عليه روايات كثيرة وهذا لا شيء فيه، فكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيح: {اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك} هذا قسمي فيما أملك أي من الأشياء التي بمقدور الإنسان أن يعدل فيها، فلا تؤاخذني أو فلا تلومني فيما تملك ولا أملك، وذلك هو الحب في القلب وما يترتب عليه، فهذا لا يمكن أن يوجد الإنسان في قلبه محبة لأحد ليست موجودة إلا أن يشاء الله، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] هذا من جانب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015